مجتمع

عادات وتقاليد عاشوراء في أسفي

 إعداد : منير البصكري الفيلالي
من أيام شهر المحرم، يوم يقع في العاشر منه، يسمىعاشوراءوردت حوله أحاديث وأقوال ، من ذلك ما روي عن السيدة عائشة رضي الله عنها زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم أنها قالت : ” كان يوم عاشوراء تصومه قريش في الجاهلية، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصومه في الجاهلية ، فلما قدم المدينة، صامه وأمر بصيامه . فلما فرض رمضان ، ترك يوم عاشوراء .. فمن شاء صامه ومن شاء تركه . ”
   
ومن المعلوم أن الصوم في هذا الشهر مفضل لقوله صلى الله عليه وسلم :” أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم ” .
   
لقد حفلت العديد من الكتابات المغربية بذكر تقاليد وعادات عاشوراء ، ذلك أن للمغاربة عموما عادات ارتبطت بيوم عاشوراء . ومن هذه الكتابات نذكر :
ـ كتاب المغرب في ذكر بلاد إفريقية والمغرب ، لأبي عبيد البكري
ـ كتاب المعجب في تلخيص أخبار المغرب ، لعبد الواحد المراكشي
ـ كتاب البيان المغرب في أخبار الأندلس والمغرب ، لآبن عذاري المراكشي
ـ كتاب لب الأخبار المأثورة فيما يتعلق بيوم عاشورا ، لأحمد بن الصديق الغماري
ـ كتاب المسند الصحيح الحسن في مآثر ومحاسن مولانا الحسن ، للخطيب محمد بن مروزق التلمساني .
ـ كتاب الرحلة المراكشية ، لآبن الموقت المراكشي .
ـ كتاب المعسول لمحمد المختار السوسي
ـ كتاب أسفي وما إليه للفقيه محمد بن أحمد الكانوني
ـ كتاب باكورة الزبدة من تاريخ أسفي وعبدة لأحمد الصبيحي السلاوي
من خلال هذه الكتابات ، يمكن أن نتتبع مختلف العادات والتقاليد المصاحبة لمناسبةعاشوراءوهي على العموم عادات تعبر عن مظاهر الفرح والحبور ، ارتبطت في الذهن وواقع الممارسة بمعطيات تاريخية يمكن اختزالها في بقايا معتقدات قديمة لها صلة بالأرض وفلاحتها ، وكذا الاحتفال بمواسم الحصاد واختزان المحصول وغير ذلك . فهي إذن ظواهر سلوكية نمارسها تلقائيا وأحيانا دون وعي منا في الغالب .
  
ولعادة عاشوراء في مدينة أسفي عناية خاصة واهتمام متميز .. وذلك على حد ما نجد في باقي المدن المغربية الأخرى . فمنذ الإطلالة الأولى لشهر محرم ، تشرع النساء في تنظيف وإعادة ترتيب بيوتهن ، كما يقوم الرجال بتبييض واجهة هذه البيوت احتفالا بلعواشر
يلاحظ كذلك مدى عناية النساء بتخضيب شعر رأسهن بالحناء وتزويق أيديهن وأرجلهن بها  إضافة إلى اكتحالهن واستياكهن .. يصاحب ذلك كله إطلاق الزغاريد واستعمال البخور بقصد رد العين وطرد الأرواح الشريرة ، إيذانا بحلول هذه المناسبة .
 
إضافة إلى ما سبق ، يسارع الرجال إلى خارج السور وبالضبط في مكان يسمىباب الشعبةحيث تصطف الخيام في نظام محكم ومنظم ،لتخلق سوقا موسمية خاصة لبيع لوازم عاشوراء من قبيل الحناء والكحل وأنواع البخور إلى جانب مختلف أنواع الفواكه الجافة كالتمر واللوز والزبيب والجوز والتين وغيرها من أنواع الحلويات ، دون أن ننسى
التعارجوالطبول والجرار الصغيرة أو ما يسمىخويبيات عاشور ” .
وفي مساء يوم عاشوراء ، يتحلق الأطفال بالأبوين ، حيث يتم توزيع الفواكه الجافة مصحوبة بكعك مستدير صغير الحجم ، تتميز به مدينة أسفي عن غيرها من باقي المدن المغربية . لا ننسى أيضا زيارة القبور والأضرحة يوم العاشر من شهر محرم وطلب الثواب والمغفرة للميت .. مما يؤكد المزج بين ما هو ديني وطقوسي يجد له مكانة في ذهنية المجتمع وسلوكه . أيضا لا ننسى اعتناء أهل أسفي بأمر التوسعة على الأطفال ، وهو أمر شاع عندهم ، وذلك بهدف إدخال الفرحة على هؤلاء الأطفال والبسط لهم في الإنفاق ، عملا بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” من وسع على عياله في يوم عاشوراء ، وسع الله عليه في سنته كلها . ” أيضا ، هناك التصدق على الفقراء والمساكين وإشراكهم فرحة عاشوراء . وفي ذلك ترسيخ لقيم التضامن والتآزر والتخفيف من معاناة الآخر .
  
وتستغل الأسر هذه المناسبة لإعداد طعام الكسكس بالقديدأوالكرداسومن مردداتهم في ذلك :
            
قـــــديدا قــــــديدا       مـالــحـا ولذيـــــذا
            
منشورا عل لعواد     أبا عاشور اداه الواد
يبدو أن عادة عاشوراء في أسفي أو في غيرها من المدن تراث زاخر بالعطاء ، مفعم بألوان من التعابير ، ومشحون بالعبر والحكايات والأفكار والصور الساذجة في تركيبها الفني والروحي ، البليغة في محتواها التعبيري .. صور تتحدث عن عادات وتقاليد ، صور تروي أصنافا من الإبداع وألوانا من الجمال الذي خلد بواسطة الإنسان الأسفي ، ذلك التلاحم والحب الذي يربطه بطقوس دينية تعكس نظرته إلى الحياة ، معتمدا في ذلك على ما ترسب في ذهنه من معتقدات وطقوس وتأثيرات عقدية وثقافية بقيت في باطنه اللاواعي .
 
ومهما يكن ، فإن الاحتفال بعاشواء ترسيخ لواقع مجتمعي ، ينبغي استغلاله وتوظيفه بغية تثبيت القيم الفاضلة وتعزيزها والاستفادة منها في تفعيل هذه القيم في حياة الناس وغرسها في سلوكهم وفي معاملاتهم . فالتشبث بالقيم يعد طريق نهضة الأمم التي تحقق أفضل حياة للإنسان ، وهو الوسيلة الأمثل لتكوين الجيل الصالح وصياغة الشخصية الإيجابية المؤثرة .
ومن ثمة ، نرى ضرورة خلق وقفة تأمل حول عادة عاشوراء وما يرافقها من طقوس وسلوكات ومحاولة تفسيرها من أجل وضعها في إطارها السليم . 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

واحد × أربعة =

زر الذهاب إلى الأعلى
MCG24

مجانى
عرض