
صدى رجالات أسفي في التاريخ – الحلقة 65
إعداد: الدكتور منير البصكري الفيلالي / أسفي
الأستاذ عبد الله الولادي :
من الرجال الشموس الشوامخ الذين كنا نستمتع بمعرفتهم ، ونتذوق عبق سمو ثقافتهم .. الأستاذ عبد الله الولادي بن عبد اقادر الإبن البار لمدينة أسفي، على الرغم من أنه فتح لنفسه مسالك مغايرة جعلت من سيرته ومسيرته استعارة كبرى للحياة ، وليست تاريخا للموت .. فقد عاش السي عبد الله الولادي حياة الكرامة والالتزام والعطاء والبذل والطهارة. عرف بالفعل الرائق واللسان الحلو، والوجه البشوش، وجاهزية الفكر ..
أشرت قبل قليل إلى أنه الابن البار لمدينة أسفي، أقصد أن الرجل قبل وفاته، كان قد أوصى بدفنه في هذه المدينة حيث ولد عام 1940 وبها تربى وربى، فكان أستاذ الجيل قبل أن يشد الرحال إلى الدار البيضاء لممارسة مهنة المحاماة التي كان يعشقها بغية الدفاع عن القضايا العادلة للوطن . وبالرغم من ذلك كله ، فقد ظل متعلقا بمدينته، يشرئب لزيارتها كأي عاشق تهفو نفسه وتتدافع أشواقه إلى أرض حملت على تربتها الندية تاريخه وكأنه يحرسها من بعيد بعينه الحانية.
كان السي الولادي من أسرة عريقة،” طابعها الأساس مكارم الأخلاق ..” ومن بيت معروف ، تلقى تعليمه بأسفي، حيث نشأ على العفة والاستقامة والتواضع ، مما مكنه من امتلاك قدرات عالية جعلت منه صاحب حوار هادئ ومتزن .. موفقا لعمل الخير والسعي من أجله ، ظهر ذلك واضحا في المهمات التي أوكلها له المكتب السياسي لحزب الاتحاد الاشتراكي، لتدبير بعض الخلافات هنا أو هناك ، فكان ناجحا بكل المقاييس في الإنصات والتفاوض ، يغمره الأمل في تذويب كل الخلافات .. كيف لا وهو القانوني الرصين؟ ..
يصعب حصر أعمال وإنجازات هذا الرجل وما تركه من صدى طيب لدى كل من كانت له به صلة من قريب أو بعيد، حيث كان عضوا نشيطا في الكثير من الجمعيات والهيئات الثقافية والحقوقية والنقابية، مما أكسبه شخصية ذات مكانة بارزة.
استحضر في هذه اللحظات اجتماعا ـ لم أعد أذكر مكانه ـ هل بأسفي أم بالرباط؟ حيث كان يحمل معه مشروعا يتمثل في سد الفراغ الثقافي الذي تشكو منه مدينة أسفي . هذا المشروع كان يهم بالأساس إخراج سلسلة من الكتب تهتم بمختلف القضايا لجهة دكالة عبدة بهدف ـ كما قال رحمه الله ـ ” المساهمة في إبراز شخصية هذه الجهة .. ويجسد النسق الثقافي القيم ، والرموز الحضارية التي تميز المجتمعات عن بعضها ..” فكان رئيسا لمؤسسة دكالة عبدة للثقافة والتنمية . كنا نلاحظ أن الرجل يتمتع بعفوية وتلقائية في الحديث ، يجيد لغة التواصل إلى أبعد الحدود . يسعى سعي المؤمن المخلص إلى خدمة مدينته والجهة التي تنتمي إليها . فكان دقيقا في اختيار مواد السلسلة التي كان يشرف عليها إلى جانبه ، صديقنا الأستاذ الدكتور محمد الأسعد ، وحريصا في نفس الآن على أن يقدم “عملا توثيقيا ، الغرض منه إفادة الباحثين والطلبة والمهتمين وعموم القراء. “ومما زادني تعلقا واعتزازا بهذا الرجل أنه قال في تصدير كتابي : ” الشعر الملحون في أسفي ” : ” إن موضوع الشعر الملحون الذي تقدمه المؤسسة، ذو أهمية بالغة، خاصة وأن صاحبه نفق في جمعه مدة لا تقل عن ثلاث سنوات .. وبالمناسبة لا يفوتنا أن نشكره على الثقة التي وضعها في المؤسسة لنشر هذا الموضوع ضمن منشوراتها العلمية.”
نعم ، لقد وفق أستاذنا الولادي في ضخ حياة ثقافية وعلمية جميلة وهو يقدم على مثل هذا المشروع .. إذ لم يوقف دعمه وتشجيعه ليكون صدى مدينة أسفي معطرا بأريج العلم والثقافة والمعرفة ، فكان مكان التقدير والاحترام .
ويشاء رب العزة أن يفارقنا السي عبد الله الولادي عن عمر يناهز 69 سنة ، في وقت كنا في حاجة إلى خبراته وتجاربه .. فقد رزئنا فيه جميعا ورزئ الناس كافة . فالرجل كان رئيس المنظمة المغربية لحقوق الإنسان في الفترة ما بين 2000 و 2006 ، يدافع بالحق وبالتي هي أحسن ، كما كان عضو المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان ، وكذا المجلس الإداري ، وعضو إدماج السجناء لمؤسسة محمد السادس .. وقد نهض ـ رحمه الله ـ بكل هذه المهمات .. وتلك ميزة يتمتع بها رجالات أسفي عبر العصور والأزمان .