ثقافة

صدى رجالات أسفي في التاريخ – الحلقة 81

إعداد: الدكتور منير البصكري الفيلالي / أسفي

الحاج عبد الوهاب المنجاوي :
  أحد رجالات حاضرة المحيط أسفي، الحاج عبد الوهاب المنجاوي بن عبد القادر بن التهامي بن أحمد بن الجيلالي بن أحمد المنجاوي السحيمي العبدي أبو العباس، حسب ما كتب عنه صاحب كتاب” جواهر الكمال في تراجم الرجال ” الفقيه الكانوني العبدي. يقول : “أحمد بن الجيلالي بن أحمد المنجاوي العبدي السحيمي،  كان ذا شهرة وصيت من الأعيان المشاهير. نال دنيا عريضة وعقارا كبيرا وفلاحة واسعة يقوم فيها بالواجب الشرعي ويزيد من ماله الخاص. كان كريما جوادا وذا محبة كبرى بين أهل العلم أسس مدرسة يدرس بها العلم والقرآن ، ورتب فيها مدرسين. فاشتهرت لما بدأت أفواج من طلبتها تحل على القرويين بفاس. كان عدد أعيان مدينة آسفي في تلك الفترة من التاريخ ثمانية، يحضون بالحمايات الأجنبية، يوقرهم المستعمر الفرنسي ويحترمهم. وكان أحمد بن الجيلالي المنجاوي يتمتع بالحماية الألمانية.. وأصل تسمية المنجاوي يعود إلى اسم قبيلة المناجي بجمعة آسحيم.”
أما مترجمنا عبد الوهاب المنجاوي الآتي من تراب منطقة عبدة الغنية ، ومن داخل أسوار مدينة آسفي العتيقة ، فقد رأى النورسنة 1928 بدرب الزاوية. تلقى تعليمه الأول كباقي أقرانه في ذلك الزمن بأحد كتاتيب المدينة العتيقة التي كانت تنتشر في مختلف أزقتها ودروبها ، ككتاب الزاوية المصلوحية وكتاب الطالب زميط  وأخرى كتاب الملاذ الوحيد لتعلم القراءة والكتابة وتحفيظ القرآن الكريم قبل ولوج المدرسة النظامية . وحين اخترنا الحديث عن هذا الرجل ، ارتأيناها فرصة سانحة للحديث عن الشأن الجماعي والمجالس البلدية التي تعاقبت على تسيير شؤون مدينة آسفي منذ أول مجلس بلدي عرفته هذه المدينة سنة 1963 ترأسه وزير الأشغال العمومية آنذاك الدكتور محمد بنهيمة. وهو مجلس كان يتكون من واحد وثلاثين مستشارا منهم السادة :
عبد الله الناصري ـ عبد الرحمن الكتاني ـ مبلرك الشراقي ـ ابو بكر البوخصيبي  ـ الطيبي الزرهوني عبد الواحد ابريشة  ـ فاتح باكة  ـ عبد الرحيم بنحيون  ـ عبد اللطيف بلمعاشي  ـ عبد الله البوعمراني ملوك الزرهوني ـ محمد بنهيمة ـ عبد الرحيم الطنطاوي  ـ بن عبد الله سيف الحاج علي ـ مصطفى بن مولاي أحمد ـ الطاهر بن الصغير ـ محمد الحاجي بن أحمد ـ محمد بنحيدة ـ ادريس بوكطيب ـ الياجزي أحمد ـ علال منيني ـ بن ادريس الرياحي ـ عبد الوهاب المنجاوي ـ محمد أخوان ـ عزوز عزمي ـ بن علال السحيمي ـ محمد بنجلون ـ الحاج الطاهر البواب ـ أحمد بن عمر النقاش ـ عبد العزيز بزكار.
من هؤلاء من قضى نحبه ومنهم من ينتظر . ولعل الكثير منهم عمل بحب وإخلاص لفائدة الصالح العام ، وقدموا قدر المستطاع أعمالا جليلة ما تزال أصداؤها تعبر أسماع الأجيال تلو الأخرى .والذي يهمني أكثر ، هو الوقوف عند المنجز الثقافي والتنموي في أسفي لهذه المجالس خاصة في بعديهما العلائقي والإجرائي ، علما أن الثقافة ليست ذلك المورد المعنوي أو المعرفي لإشباع رغبات وجدانية أو معرفية فحسب ، بل يكاد يتسع مداها وتتعدد استعمالاتها ، لما لها من دور حيوي ومحوري في مسار التنمية الترابية المحلية والجهوية والوطنية . فالثقافة أضحت محركا قويا للتعبئة الاجتماعية وتأهيل الموارد البشرية ماديا ومعنويا . ومن ثمة ، يمكن التأكيد على أن تدبير العمل الثقافي لا يقل أهمية عن باقي القطاعات الاقتصادية والاجتماعية ، إذ يستوجب تأطيره اعتماد أساليب علمية حديثة ، وتقنيات ملائمة وفعالة تتوخى تنمية وتحديث وتطوير مدينتنا وبالتالي الوطن برمته.
فهل الهدف من العمل الثقافي ، يكمن في خلق تنشيط موسمي ، يلبي حاجات وجدانية وعاطفية ، فردية وجماعية محدودة الأثر ، أم أن الاهتمام به ينصب على إدراجه في قلب الفعل التنموي ؟ ثم ما موقع العمل الثقافي في تدبير شأن المدينة ، هل يمكن اعتباره مكونا أساسيا ضمن أولويات المجلس الجماعي ، أم مجرد عنصر مكمل لتأثيث الفضاء في مناسبات معينة ؟
يصعب في الحقيقة إعطاء جواب شاف لهذه الأسئلة في غياب إطار مرجعي موثق لغير قليل من الأنشطة الثقافية التي أنجزتها المجالس البلدية في أسفي ، هذا إن كانت هناك فعلا أنشطة يمكن الوقوف عندها ، وحتى إن وجدت ، فهي ضعيفة ولا ترقى إلى المستوى الذي يشرف حاضرة المحيط باعتبارها مدينة ذات تاريخ عريق وحضارة أثيلة ورصيد ثقافي متنوع ، نبع من محيطها الجغرافي الغني ومن مكوناتها البشرية ، ومن مسيرتها التاريخية الطويلة ، على الرغم مما عرفت من تحول بفعل بعض العوامل متمثلة في دخول الاستعمار الفرنسي ومغادرة الطائفة اليهودية ، لكن المدينة لم تفقد أبدا عمق هويتها التي بنيت على التلاقح الحضاري والتعايش السلمي . ومن ثمة ، فقد شكل المجال البيئي لمدينة  أسفي فضاء مضيافا يساعد على الاندماج والتعايش المثمر ، مما أنتج ثقافة محلية حركتها إبداعات شعراء الملحون وأغاني البحر وترنيمات الزوايا وصنائع وطبوع موسيقى الآلة وصناعة الخزف الأسفي ..وقد أعطى هذه الوصفة الثقافية الموروثة طعما بنكهة ثقافة أصيلة متجدرة . وحتى لا نبخس بعض المجالس حقها ، نشير هنا إلى مبادرة تحتسب لأحد المجالس السابقة ، منها على سبيل المثال المجلس الذي كان على رأسه المرحوم سيدي التهامي الوزاني ( 1970 / 1976 ) وفي هذا العهد تم بناء الخزانة البلدية centre )  culturel وقاعة الأفراح ( مدينة الثقافة والفنون اليوم ) ثم المسبح البلدي .. وفي غضون ولاية المجلس البلدي ل : (1986 / 1992) عقد أعضاؤه العزم على تنظيم ملتقى فكري ، بشراكة مع كلية الآداب بالرباط في ثلاث نسخ ( سنوات 1988 ـ 1989 ـ 1990 ) حيث وفر هذا الملتقى الثقافي منبرا للتفاعل الإنساني ، قوامه التواصل والحوار والتقاسم الإيجابي ..إضافة إلى إصدار ثلاثة كتب مواكبة للملتقى أرخت لأحداث ميزت المدينة وأسهمت في إغناء المنتج الثقافي والفكري المحلي والوطني . وهي ممارسة حضارية محمودة تحسن ـ لا محالة ـ من صورة العمل الثقافي المحلي بمدينة أسفي ، وتقوي جاذبيته وتضفي عليه طابعا إنسانيا رفيعا .
وإلى حدود اليوم ، لم نسمع ـ للأسف ـ بتنظيم أي نشاط ثقافي وفكري . فهل يعود ذلك إلى نقص في عملية التفعيل بشقيها المادي والمعنوي ، أم أن الأمر يتعلق بغياب البعد الاستراتيجي لدى أعضاء مجالسنا البلدية ..؟ علما بأن التصور الاستراتيجي يعد من أهم مقومات تدبير نشاط ثقافي بكيفية احترافية ، فهو الذي يؤطره تنظيميا ومنهجيا وإجرائيا ، ويضمن له أقصى الفرص الممكنة لنجاحه ..
على كل حال ، نتمنى من المجلس الحالي أن يتدارك ما فات بعض المجالس السابقة في شأن العمل الثقافي ، ويبلور دليلا عمليا لتنظيم ملتقيات ثقافية وفكرية تغطي المشروع الثقافي البلدي مع مراعاة للأولويات التي تفرضها آليات التخطيط وجاهزية الإعداد والظرفية المناسبة ، خدمة لمقتضيات هذا المشروع الثقافي الذي يجب أن تطبعه المرونة والسلاسة في التنفيذ، تيسيرا لتحقيق الأهداف المنشودة ، وما ذلك على هذا المجلس البلدي الحالي بعزيز .
وبالعودة إلى السي عبد الوهاب المنجاوي ، فقد توفي رحمه الله منذ سنتين

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

10 + 8 =

زر الذهاب إلى الأعلى
MCG24

مجانى
عرض