
سارة امغار
يعتبر التذكير بالأعمال الخالدة و التضحيات الجسام ولو باختصار نظرا لأهميتها كمًّا و كيفًا من أجلِّ السبل لتوديع المرحوم عبد الرحمان اليوسفي و الذي يعتبر أحد الجبال الشامخة في التاريخ السياسي المغربي إبّان العصر الحديث.
وُلد السياسي المعارض و المحامي المناضل عبد الرحمان اليوسفي في الثامن من مارس عام 1924 بمدينة طنجة و التي كانت آنذاك منطقة دولية. درس سنواته الأولى في نفس المدينة قبل أن يلتحق بثانوية مولاي يوسف بالرباط حيث سيلتقي ببن بركة و سينخرطان معا في العمل النضالي ضد المستعمر إضافة إلى المشاركة في تنظيم حركة المقاومة و جيش التحرير.
انتقل عبد الرحمان اليوسفي الى فرنسا لإتمام دراساته الجامعية حيث حصل على إجازة في القانون و دبلوم الدراسات السياسية و أيضا دبلوم المعهد الدولي لحقوق الإنسان. انشغاله بتعليمه بالديار الفرنسية لم يمنعه من بذل جهوده في تسليط الضوء على القضية المغربية و أيضا الاهتمام بمشاكل الجالية المغربية العاملة هناك.
بعد استقلال المملكة المغربية من الاستعمار الفرنسي عاد الفقيد بمعية رفقاء دربه المهدي بن بركة و عبد الرحمان بوعبيد إلى أرض الوطن حيث ساهم معهم في تأسيس حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية سنة 1959 مما جعله ينتقل إلى مرحلة جديدة في نشاطه السياسي. ويجدر الذكر أنه في نفس السنة تم انتخابه نقيبا للمحامين بمدينة طنجة.
عاش السياسي المخضرم عبد الرحمان اليوسفي حياة حافلة بالمحاكمات و الاعتقالات حيث اعتقل سنة 1959 من مكتبه بجريدة التحرير باعتباره رئيسا لتحريرها رفقة مديرها محمد البصري مباشرة بعد حجز ومنع نشر الجريدة من طرف السلطات المغربية يوم 14 دجنبر من نفس السنة بسبب تضمن الافتتاحية لجملة ” إذا كانت الحكومة مسئولة أمام جلالة الملك فإنها أيضا مسئولة أمام الرأي العام” – حسب ما ذكر في كتابه أحاديث فيما جرى ” سيرتي كما رويتها لبودرقة “- حيث كان هذا أول اعتقال له في زمن ما بعد الاستقلال. لِيليه اعتقال أخر سنة 1963 من مقر الكتابة العامة للاتحاد الوطني للقوات الشعبية بالدار البيضاء ضمن ما عرف ب “مؤامرة 16 يوليوز” لتتم محاكمته بعد ذلك بحكم موقوف التنفيذ ثم إطلاق سراحه.
و في أواخر سنة 1965 اختار المرحوم اليوسفي البقاء في فرنسا -المنفى- بعد إدلائه بشهادته في ما يخص قضية بن بركة، كما أصبح منسق فريق محاميي العائلة طيلة الشهور الأولى من المحاكمة. وما بين سنة 1969 و 1975 حكم عليه غيابيا في جلسات محاكم مراكش كما طالب المدعي العام بإصدار حكم بالإعدام عليه. و قد انتهت سنوات المنفى بصدور عفو ملكي في حقه سنة 1980 مما شجعه على العودة إلى ارض الوطن.
و في4 فبراير 1998 استقبله المغفور له الملك الحسن الثاني طيب الله ثراه في القصر الملكي بالرباط ليعينه وزيرا أولا حيث قال له كما ورد في نفس الكتاب المذكور سابقا “إنني أقـــدر فيك كفاءتـــك وإخلاصـــك، وأعـــرف جيدا أنك منذ الاســـتقلال لا تركض وراء المناصب بل تنفر منها باســـتمرار. ولكننا مقبلون جميعا علـــى مرحلة تتطلـــب الكثير من الجهـــد والعطاء من أجـــل الدفع ببلادنا إلى الأمام، حتى نكون مســـتعدين لولوج القرن الحادي والعشرين” .
استمر اليوسفي في منصب الوزير الأول بحكومة التناوب التوافقي لمدة أربع سنوات أي إلى حدود سنة 2002 وأثناء هذه الفترة شهد مرحلة انتقال الحكم إلى صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله بعد وفاة والده المغفور له الحسن الثاني.
اعتزل اليوسفي الحياة السياسية سنة 2003 حيث قدم استقالته للحزب الذي أضحى اسمه الاتحاد الاشتراكي بعد سنوات من النضال و الكفاح السياسي وضع من خلالها بصمة راسخة في التاريخ السياسي للمغرب الحديث. وتكريما لأعماله الخالدة تم اعطاء اسمه لشارع بمدينة طنجة و الذي حضر تدشينه صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله شخصيا احياءا للذكرى السبعة عشر لعيد العرش المجيد يوم 30 يوليوز2016 مما ترك أثرا بالغا في نفس المرحوم اليوسفي لكونه حدثا غير مسبوق في تاريخ المغرب كما وصفه في كتابه.
سجل التاريخ أن عبد الرحمان اليوسفي رجل وطني عزز التحول الديمقراطي بالمغرب وأكد صاحب الجلالة الملك محمد السادس في برقية التعزية والمواساة التي بعثها الى السيدة هيلين اليوسفي، أرملة المرحوم، أنه “لقد كان لنعي المشمول بعفو الله تعالى ورضوانه المرحوم الأستاذ المجاهد عبد الرحمان اليوسفي، بالغ الأثر والوقع الأليم في نفسنا، لما خلفه رحيله من خسارة فادحة، ليس لأسرته فحسب، وإنما لبلده المغرب الذي فقد فيه أحد أبنائه البررة الذي بصم بشخصيته وبأسلوبه المتميز، والقائم على المسؤولية والالتزام الواضح بالمبادئ، والإخلاص والوفاء، مرحلة هامة من تاريخ بلده الحديث”
صحيح أن المرحوم عبد الرحمان اليوسفي قد وافته المنية و انتقل الى دار البقاء لكن أثره سيظل راسخا في عقول و قلوب كل من زاول أو سيزاول الحياة السياسية باختلاف مرجعياته و توجهات. رحم الله الفقيد و إنا لله و إنا إليه راجعون.