
أدب الحجازيات في الشعر الملحون – الحلقة الثالثة
إعداد : الدكتور منير البصكري الفيلالي / أسفي
وقد سمي هذا اللون في أدب الملحون ب : ” المحمل ” أي حين ينقل شاعر الملحون وصفا لركب الحجاج مع ذكر مختلف مراحل الحج على حد ما فعل الشاعر عبد القادر بوخريص الذي وصف ركب الحجاج المغاربة وهو يستعد للرحيل من فاس ، وقد ضم جماعات من سوس ومراكش والحوز والعرب والبربر ومختلف القبائل . يقول :
أرواح أراسي اتشوف هاد الركب الساير خلا الناس الذوق شايق لمقام المختـــــار
مدا من قومان جات تمشي للحج اتخاطــر من سوس امراكش اللفريج جلوا الخطار
وهل الحوز او كل من اتهيا واعرب وابرابر واقبايـل شـلا انصفهـا والطلبـا لخيــــــــــار
وهناك تسميات أخرى ك: “المرحول” و ” الورشان ” و ” الحمام ” و “المرسول” وهي عنوان لبعض القصائد التي تصف ركب الحجاج ومراحل الحج ، وكلها قصائد تترجم الحالة النفسية والوجدانية التي خيمت على أحاسيس الشعراء ، فحاولوا من خلال ذلك بث لواعجهم ومشاعرهم إزاء هذا الحدث الديني العظيم .. وتوسلوا في ذلك بما اتيح لهم ، عسى أن يحظوا بزيارة المقام الشريف .
إن هذا التعلق بالرحلة إلى الحج لأداء المناسك والفوز برضا الله والرسول ، أمر ما فتئ شعراء الملحون يعبرون عنه في قصائدهم بأبهى صورة وأجمل تعبير . وقد ظل هذا التعلق رهينا بهم منذ فترة مبكرة من حياتهم . ونمثل لذلك ببعض الأبيات الشعرية للشيخ ابن علي “الذي يظهر عشقه للرسول الكريم ولمقامه الشريف منذ صباه . فهو في حالة يرثى لها من شدة السهر ، وقد حطم الفراق جسمه وأوهن قلبه وفاضت دموعه .. وعبثا حاول أن يخفي هواه ، فإن عليه شواهد تكشف عن أسراره الدفينة ، إذ لا ينفع في الهوى كتمان ، وعرف أهل الغرام داءه ، ولكن لا علاج له غير زيارة كنز غناه ومنبع سروره وسلواه ” . يقول : عشقي أمن الصبا فمقامو والبعد كد لي والبين لحال حـالتـي مـدالي نـرعـى اكـواكب الديـجـــان
هد لفراق ديوان اسياري ولخبير صار اوهين غرفا من ابحور ادموعي ولا عوارض من امـزان
اشحال ما خفيت اهوايا والبين افلمهاج اكنين خبروا شواهدي بسراري ما فاد افلهوى كـتمــــان
وهل لغرام عرفوا ديا ما لي اطبيب فالبرين إلا اوصـول كنـز اغـنيا هـو السرور والسلـــــــوان
ومثل ذلك نجده عند الشاعر الأسفي عبد السلام بن بوعزة ، إذ يقول :
حب طه رسى واسكن مير لمهــــاج من اغرام نعم التاقي أقوى اجـراح
هللت ادموعي دفقت تحمل حمــلاج كنو واد أعلى خدي سال من اغناج
من افراق الماح نرت أفضي والداج من اصباي صابر والقلب ليس ساج
ما اجبرت الصبر من حب سيد لنتاج ولا وجـدت الـراح لمقـام وابــــــراج
كل عام أتهيج اجوارح ذات لمهـــاج يـوم ياتـي شهـر الحجـا أيهيج هــاج
كم من اعشيق بحالي زاد حق فهياج يـوم انظـر أركـب الحجاج فالهيـــاج
وهذا الفيض من الحب النبوي ، دلالة على إيمان قوي راسخ ، عبر عنه شعراء الملحون في قصائدهم ، كما أنه نبع فياض استمدوا منه العديد من الفضائل والمكرمات .. وهو أيضا مناجاة ومطاوعة لميل الضمير والوجدان على السواء للفناء في الحب الصادق للرسول الكريم .