أدب الحجازيات في الشعر الملحون

أدب الحجازيات في الشعر الملحون – الحلقة الثانية

إعداد : الدكتور منير البصكري الفيلالي / أسفي

هكذا تظهر إذن أهمية الحج عند المسلمين عامة ، والمغاربة على وجه الخصوص منذ أن وطأ الإسلام أرض بلادهم ، فلم يتوانوا عن تحقيق هذه الشعيرة الدينية انطلاقا من حبهم العميق لرسول البشرية جمعاء صلى الله عليه وسلم . والمتصفح لكتب التاريخ وغيرها ، يجدها طافحة بأخبار المغاربة عن الحج ورحلاتهم إليه ، على الرغم من بعد المسافة ووعورة الطريق وانعدام المواصلات .. الشيء الذي جعل فقهاء الأندلس والمغرب يأخذون موقفا معينا من شعيرة الحج منذ منتصف القرن الخامس الهجري ، وهو موقف يقتضي إسقاط فريضة الحج على أهل المغرب تجنبا للإلقاء بالنفس إلى التهلكة . كما اعتبر البعض أن الخروج إلى الحج من هذه الزاوية معصية . وإلى هذا يشير أبو العباس أحمد بن إبراهيم مؤلف كتاب : ” المنهاج الواضح في تحقيق كرامات الشيخ أبي محمد صالح ” بقوله : ” هذا وإن كان في الشريعة مفروضا ، فقد كان في عصره عند بعض فقهاء مصره مرفوضا.وقد أفتى جل فقهائهم بأنه على أهل المغرب مسقوطا . والقائل بوجوبه عليهم مغلوطا ، والناهض إليه عاصيا مأزورا ، والناكب عنه مأجورا ، والقول من قائله بالوجوب هدرا مهدورا ، وكتاب الحج في مداراتهم قد اتخذوه مهجورا .. ”
من هذا المنطلق ، قام الشيخ أبو محمد صالح دفين أسفي وأصحابه ” لحرب هذه المغالة الصادمة لهذا الركن الإسلامي ، فبذلوا جهودهم في الحث على الحج وتسيير الناس إليه ، وبث الأصحاب في المراكز ليأخذوا بيد الضعفاء ويعينوهم على سلوك الطريق إلى الأماكن المقدسة حتى يبلغوا الأمنية من أداء الفرض الواجب ، ويفوزوا بالأسرار المودعة فيه . ”
من هنا ، كانت لدعوة الشيخ أبي محمد صالح إلى الحج ، بعد خاص ، عندما عمد إلى تأسيس طائفة عرفت في البداية بطائفة الماجريين قبل أن تتسع لغير الماجريين من الحجاج فتشتهر بطائفة الحجاج .
وهكذا ، نظمت الرحلة من المغرب إلى الديار المقدسة بشكل علمي مضبوط ومنظم .وبلغ عدد الزوايا التي اتخذها أصحاب الشيخ على طريق الحج ستا وأربعين زاوية .. انطلاقا من مدينة أسفي إلى دكالة وحاحا ودرعة وسوس وفاس وصفرو وسلا والجزائر وبجاية والإسكندرية ولبنان والشام ..
بل إن الخطاب الصالحي بالدعوة إلى الحج ، وصل صداه إلى شمال المغرب والأندلس ، فذهبت قوافل الحجاج بكل من سبتة والريف وفاس والأندلس ، ثم صارت رحلات هذه الركاب تثير شجون المتخلفين ، وتحفز أفرادا من الأدباء إلى بعث الرسائل أو القصائد ، بثا للأشواق وتسجيلا للأعذار ، وشكوى من الموانع . وقد حفل الأدب المغربي بلون أدبي متميز ، نجده مبتوتا عند كثير من الأدباء ، سواء على الصعيد الرسمي أو الشعبي .
وسنحاول أن نكشف من خلال هذا الموضوع عن نشاط هذا اللون من أدب الحجازيات في الشعر الملحون الذي لم يترك شعراؤه بابا من الأدب إلا طرقوه . ولعل في تناولهم لأدب الحجازيات ، ما يكشف عن حبهم العميق للنبي صلى الله عليه وسلم ، والتشوق إلى زيارة قبره عليه الصلاة والسلام مهما كانت الظروف والأحوال .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

5 × 5 =

زر الذهاب إلى الأعلى
MCG24

مجانى
عرض