تأملات

خطبة عيد الأضحى المبارك السعيد وقصة الذبيح إسماعيل عليه السلام

الحمدُ لله الذي جعَل الأعياد في الإسلام مَصدرًا للهناء والسرور، الحمد لله الذي تفضَّل في هذه الأيَّام العشر على كلِّ عبدٍ شَكُور، سبحانه غافِر الذنب وقابِل التَّوب شديد العِقاب.

الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر.

الله أكبر كبيرًا، والحمد لله كثيرًا، وسُبحان الله بُكرةً وأصيلاً.

ربنا لك الحمدُ سرًّا وجهرًا، ولك الحمدُ دومًا وكرًّا، ولك الحمد شعرًا ونثرًا.

لك الحمدُ يوم أنْ كفَر كثيرٌ من الناس وأرشدتنا للإسلام، لك الحمدُ يومَ أنْ ضلَّ كثيرٌ من الناس وهديتنا للإيمان، لك الحمدُ يوم أنْ جاعَ كثيرٌ من الناس، وأطعمتنا من رزقك، لك الحمدُ يومَ أنْ نام كثيرٌ من الناس، وأقمتَنا بين يدَيْك من فضلك.      أما بعد:
فيا عباد الله: اليوم عيدنا؛ فافرحوا به وأظهروا الفرح والسرور والسعادة على مُحيَّاكم، والابتسامة والبِشْرَ على وجوهكم، واستشعروه بوجدانكم، وتواصلوا فيما بينكم محبةً وودًّا، إن كان اليوم تصعب المصافحة، ويشق علينا العناق، واكتفينا من السلام بالنظر حتى نعود بحذر، لكن لا يمنع مقابلة الأحبة والأخوة والأصحاب بالترحيب والتهنئة، والابتسامة بكل حب وترحاب، وإن لم تتصافح أكفُّنا، فلتتصافَ قلوبنا.

إن النبي عليه الصلاة والسلام قال: ((لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أوَلا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم))؛ [رواه مسلم].

والفرحة لا تكتمل إلا بصفاء النفس تجاه الإخوة، فاليوم عيدٌ نصِلُ فيه كل قريب، ونجدد العهد بكل صديق، نصلح أنفسنا ونردها عن غيِّها.

يا أخا الإيمان، بادر بالاتصال، وقدم الاعتذار، واقبل الأعذار؛ فاليوم عيد فرح وسرور، لا مكان فيه للشحناء والبغضاء، إنما هو برٌّ بالوالدين، وصلة للأرحام، وإحسان للجيران، ننسى ما كان، ونصلح ما فسد، فلا أحد يعلم متى يرتحل؛ ﴿ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾ [البقرة: 237]، وأحق الناس بك أهل بيتك؛ فكن لهم أحبَّ حبيبٍ وأقرب قريب؛ قال عليه الصلاة والسلام: ((خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي))؛ [رواه الترمذي، حديث صحيح]، وكونوا لهم الفرح والسعادة في صورة إنسان.

الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر، ولله الحمد.

خير أعمالكم اليوم ذبح الأضحية فهي سُنَّةٌ، وقال بعض أهل العلم: واجبة على القادر، فهي قربة لله عز وجل القائل: ﴿ لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ ﴾ [الحج: 37]، ووقت الذبح بعد صلاة العيد إلى آخر أيام التشريق، وما لا يجزئ من الأضاحي أربع ذكرها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ((أربع لا يجزئن: العوراء البيِّن عورها، والعرجاء البين ظَلْعُها، والمريضة البين مرضها، والكسير التي لا تُنقِي))؛ [رواه الدارمي، وإسناده صحيح].

ويُسنُّ من كان اليوم مضحيًا أن أول ما يأكله اليوم من أضحيته، ويسن أن يأكل ويُهدِي ويتصدق أثلاثًا؛ وقال عليه الصلاة والسلام: ((كنت نهيتكم عن لحوم الأضاحي فوق ثلاث؛ ليتسع ذو الطَّولِ على من لا طَول له، فكلوا ما بدا لكم، وأطعموا وادخروا))؛ [رواه الترمذي، وقال: حديث حسن صحيح]، والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم، وهذا الحديث ناسخ لأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم عن ادخار لحوم الأضاحي فوق ثلاث، وهي شبهة وجب التنبه لها.

الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر، ولله الحمد.

إن الحلال بيِّنٌ والحرام بيِّنٌ، فافرحوا بعيدكم فيما شُرع لكم، وأكثروا من ذكر ربكم في هذه الأيام، فهي أيام أكل وشرب وذكر لله عز وجل، واتقوا الله تفلحوا، وأحسنوا فإن الله يحب المحسنين.
《الخطبة الثانية》
قصة الذبيح إسماعيل عليه السلام
وبره لأبيه إبراهيم عليه السلام.
الله أكبر – الله أكبر – الله أكبر – الله أكبر – الله أكبر
الله أكبر – الله أكبر – الله أكبر – الله أكبر
الله أكبر كبيرا والحمد لله كثيرا وسبحان الله وبحمده بكرة وأصيلا. الله أكبر ما تحرّك متحرِّك وارتجّ، ولبى محرم وحجّ، وقصد الحرم من كل فجّ، وأقيمت لله هذه الأيام مناسك الحجّ. الله أكبر الله أكبر ما نحرت بمنى النحائر، وعظمت لله الشعائر، وسار إلى الجمرات سائر، وطاف بالبيت العتيق زائر، الله أكبر إذا ساروا قبل طلوع الشمس إلى منى ورموا جمرة العقبة وقد بلغوا المنى ، الله أكبر إذا ساروا لزيارة الكعبة مكبّرين وللسعي بين الصفا والمروة مهرولين، وللحجر الأسود مستلمين ومقبلين، ومن ماء زمزم شاربين ومتطهِّرين، فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون، وله الحمد في السماوات والأرض وعشيًّا وحين تظهرون، سبحان ذي الملك والملكوت، سبحان ذي العزّة والجبروت، سبحان ربِّك ربِّ العزّة عمّا يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله ربِّ العالمين.
الحمد لله مُنَزِّل العاديات والقارعة الذي مَنّ علينا بهذه الصبيحةِ المباركة اللامعة، والصلاة والسلام على سيِّدنا محمّد ذي الأنوار الساطعة وعلى ءاله وأصحابه الطيبين الطاهرين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
عباد الله، فإني أوصيكم ونفسي بتقوى الله، فإنّكم في يوم تحيون فيه سنّة سيدنا إبراهيم بما تريقون من دماء الأضاحي في هذا اليوم العظيم.
فالخليل إبراهيم أمر في المنام، أمر بوحي أن يذبح ولده ثمرة فؤاده {فلمّا بلغ معه السعي قال يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك} الصافّات/ 102 .
ورؤيا الأنبياء وحي وأراد أن يعرف قرار ولده {فانظر ماذا ترى} الصافّات/102 .
لم يقصد إبراهيم أن يشاور ولده في تنفيذ أمر الله ولا كان متردِّدًا وإنما أراد أن يعرف ما في نفسيّة ولده تجاه أمر الله. فجاء جواب إسماعيل، جاء جواب الولد المحبّ لله أكثر من حبِّه للحياة: {قال يا أبتِ افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين} (سورة الصافّات/ 102) .
وأمّا قوله: {إن شاء الله} لأنه لا حركة ولا سكون إلا بمشيئة الله تكون. فوالله لولا الله ما اهتدينا ولا تصدّقنا ولا صلّينا.
اسمعوا إخوة الإيمان، أخذ إبراهيم النبي الرسول خليلُ الرحمنِ ولدَه ثمرةَ فؤادِه وابتعدَ به حتى لا تشعرَ الأمُّ وأضجَعَهُ على جبينِه، والجبهةُ بين الجبينين، أضجعه على جبينه فقال إسماعيل لأبيه، الولد يخاطب أباه: “يا أبي اكفف عني ثوبك حتى لا يتلطّخ من دمي فتراه أمي وأسرع مرّ السكين ليكون أهون للموت عليّ، فإذا وصلْتَ إلى أمي أقرِئها السلام”. فضمّه إبراهيم قائلاً:” نِعم الولدُ أنتَ يا بني على تنفيذِ أمرِ الله”.
وباشرَ إبراهيم بِمرِّ السكِّين على عنق ولده إسماعيل فلم تقطع لأنّ السِكِّين سبب عاديّ لا تخلق ما يحدث عنها وإنما خالق القطع فيها إذا قطعت هو الله. وزاد إبراهيم في محاولته، وإذ بنداء جبريل وقد نزل بكبش من الجنة بأمر الله {وناديناه أن يا إبراهيم قد صدّقت الرؤيا إنا كذلك نجزي المحسنين} (سورة الصافّات 105) .
وقال تعالى: {وفديناه بذبح عظيم} (سورة الصافّات 107) .
فحريّ بالشباب المسلم الناشىء اليوم أن يأخذ العبرة العظيمة من هذه القصة وأن يكون نِعم العون لأبيه على تنفيذ أوامر الله سبحانه وتعالى، وأن يكون بارًّا بأمّه وأبيه عملاً بقوله تعالى:{ وبالوالدين إحسانا} .
في سورة البقرة:{ وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلا الله وبالوالدين إحسانا} الآية .
وفي سورة النساء:{ واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئًا وبالوالدين إحسانا}
وفي سورة الأنعام:{ قل تعالَوْا أتلُ ما حرّم ربّكم عليكم ألا تشركوا به شيئًا وبالوالدين إحسانا} الآية .
وفي سورة الإسراء:{ وقضى ربّك ألا تعبدوا إلا إيّاه وبالوالدين إحسانا}
وأن يطيعهما فيما لا معصية فيه، فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
وحريّ بالأب المسلم اليوم أن يكون ءاخذًا بيد ولده إلى طريق الخير والهدى والصلاح والفلاح إلى مجالس علم الدين ليقطف ثمرة عظيمة طيبة ويرى ءاثار هذه المجالس الطيبة العطرة على ولده، فحريّ بالأب أن يعتني بولده بالتربية الإسلامِيّة وأن يحثّه على التخلّق بالأخلاق الحميدة فيحصد بعد ذلك بإذن الله ولدًا بارًّا معينًا له على طاعة الله.
وإننا نحثّكم في هذه الصبيحة المباركة على صلة الأرحام. فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:” لا يدخل الجنّة قاطع” أي لا يدخلها مع الأولين.
فخذ أخي المسلم بيد أولادك ليزوروا أرحامهم ، ليزوروا جدّهم وجدّتهم وأعمامهم وأخوالهم وأولاد أعمامهم وأولاد أخوالهم فيعتادوا منذ الصغر على صلة الأرحام، ولا تقل أنا لا يزورني أحد فأنا لا أزورهم بل صل من قطعك واعف عمّن ظلمك وأحسن إلى من أساء إليك والله الموفق للصواب.
وختاما اللهم صل صلاة كاملة وسلم سلاما تاما على سيدنا محمد تنحل به العقد وتنفرج به الكرب وتقضى به الحوائج وتنال به الرغاءب وحسن الخواتم ويستسقى الغمام بوجهه الكريم وعلى ءاله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.

عبد الرحمان سورسي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

خمسة − واحد =

زر الذهاب إلى الأعلى
MCG24

مجانى
عرض