
ندوة علمية بكلية الشريعة بفاس تسلط الضوء على أدوار مؤسسة وسيط المملكة في ترسيخ دولة الحق والقانون
في إطار الدينامية العلمية والانفتاح المؤسسي الذي تنهجه كلية الشريعة بفاس، احتضنت الكلية ندوة علمية رفيعة المستوى تحت عنوان: “مؤسسة وسيط المملكة: آلية دستورية للوساطة وحماية الحقوق”، نظمتها الكلية بتعاون مع المندوبية الجهوية لمؤسسة وسيط المملكة بجهة فاس-مكناس. وقد ألقى المحاضرة فضيلة الدكتور محمد الصقلي الحسيني، المندوب الجهوي للمؤسسة، بحضور عميد الكلية الدكتور عبد الملك عويش، وعدد من الأساتذة والباحثين والطلبة من مختلف الأسلاك الجامعية، لا سيما سلكي الماستر والدكتوراه، بالإضافة إلى حضور ممثلي عدد من المؤسسات المهنية والقانونية.
أوضح الدكتور عبد الملك عويش، عميد كلية الشريعة بفاس، أن تنظيم هذه الندوة العلمية يأتي في سياق البرنامج الأكاديمي السنوي الذي تسهر عليه الكلية، والهادف إلى ربط التكوين النظري بالممارسة المؤسساتية الواقعية، عبر استضافة شخصيات بارزة وفاعلين في مختلف المؤسسات الوطنية. وأكد أن الندوة تنسجم مع توجه الكلية الرامي إلى تعزيز انفتاح الطلبة على مؤسسات الحكامة والمصالح الخارجية للقطاعات الوزارية، بما يساهم في صقل معارفهم القانونية والمؤسساتية، وإعدادهم للاندماج في الحياة المهنية والعامة.
وأشار إلى أن المحاضرة لم تقتصر على البعد المؤسسي فقط، بل امتدت لتسلط الضوء على الأبعاد القيمية المرتبطة بمؤسسة وسيط المملكة، خاصة ما يتعلق بتحقيق العدل والإنصاف، انسجامًا مع المقاصد الكبرى للشريعة الإسلامية، مستشهدًا بحديث نبوي شريف يُبرز أهمية العدل حتى في التفاصيل الصغيرة للحياة اليومية، مما يعكس تكامل الرؤية الإسلامية مع مبادئ الحكامة الجيدة وسيادة القانون.
في عرضه، استعرض الدكتور محمد الصقلي الحسيني المسار التاريخي لتطور مؤسسة وسيط المملكة، بدءًا من التجارب السابقة للوساطة إلى أن تم ترسيخها كمؤسسة دستورية معترف بها، كما نص على ذلك الفصل 162 من دستور المملكة لسنة 2011، الذي أدرج المؤسسة ضمن هيئات الحكامة الجيدة، وربطها بمسؤولية الدفاع عن الحقوق وحماية مبدأ سيادة القانون.
وشرح الدكتور الحسيني مهام واختصاصات المؤسسة كما وردت في القانون رقم 14.16، الذي منحها صلاحيات واسعة لتلقي الشكايات والتظلمات، والبحث والتحري فيها، واقتراح حلول عادلة ومنصفة من خلال آليات الوساطة والتوفيق، وكذا تقديم توصيات وتقارير سنوية أو موضوعاتية تُشكل مرجعًا مهمًا للباحثين وصناع القرار.
وأكد أن هذه الندوة تندرج في إطار استراتيجية الانفتاح الأكاديمي التي تنتهجها مؤسسة وسيط المملكة، من خلال خلق جسور تواصل وتعاون مع الجامعات ومراكز البحث العلمي، وتحفيز الطلبة والأساتذة على تناول قضايا الوساطة المؤسساتية في بحوثهم وأطروحاتهم، لما لذلك من أثر مباشر في تطوير الرصيد المعرفي الوطني وتعزيز الثقافة القانونية والحقوقية لدى الأجيال الصاعدة.
وقد عرفت الندوة مشاركة عدد من الفاعلين المؤسساتيين، كان أبرزهم الأستاذ سعيد الصروخ، رئيس المجلس الجهوي لعدول استئنافية طنجة، الذي أكد أن هذه المشاركة تأتي في سياق الانفتاح المستمر للمجلس على الوسط الأكاديمي، ودوره في دعم التكوين القانوني والمهني للطلبة. وأوضح أن المجلس الجهوي ساهم في تنظيم عدد من الفعاليات العلمية مع جامعات مغربية مرموقة، مؤكدًا أن نقل الخبرة الميدانية إلى الفضاء الجامعي يُعد مسؤولية أخلاقية وعلمية مشتركة.
من جهته، أبرز الأستاذ ادريس الطرالي، رئيس المجلس الجهوي لعدول استئنافية بني ملال، أهمية مؤسسة وسيط المملكة كفاعل دستوري وحقوقي محوري، يعزز مناخ الثقة بين المواطن والإدارة، من خلال معالجة التظلمات وتحقيق العدالة الإدارية. وأشار إلى أن المؤسسة تُعد امتدادًا حديثًا لديوان المظالم، وتُسهم بشكل ملموس في ترسيخ ثقافة الشفافية، والنهوض بأخلاقيات العمل الإداري، في إطار تنزيل سليم لمقتضيات دستور 2011، الذي وصفه بـ”الدستور الحقوقي بامتياز”.
اختُتمت الندوة بتوصيات عملية وعلمية دعت إلى تعزيز الشراكة بين مؤسسة وسيط المملكة والمؤسسات الجامعية، من خلال توقيع اتفاقيات تعاون تُمكن الطلبة من الاستفادة من دورات تكوينية وتداريب ميدانية داخل المؤسسة، وتشجيع البحوث العلمية في مجالات الوساطة، الحكامة، الحقوق الإدارية، والتشريع المؤسساتي.
كما تم التأكيد على أن الانفتاح المتبادل بين المؤسسات الدستورية والمجتمع الأكاديمي يُعد خيارًا استراتيجيًا لتطوير المنظومة القانونية المغربية، وترسيخ أسس دولة الحق والقانون، كما دعا إليه جلالة الملك محمد السادس نصره الله في مختلف خطاباته ومبادراته الإصلاحية.
وخلص المشاركون إلى أن مؤسسة وسيط المملكة، من خلال أدوارها ومهامها، تشكل حلقة وصل مؤسساتية حيوية، تسهم في بناء نموذج جديد من العلاقة بين الإدارة والمواطن، يقوم على مبادئ الشفافية، المسؤولية، والمواطنة الحقة، ويعكس عمق الإصلاحات التي تنخرط فيها المملكة المغربية في إطار مشروعها المجتمعي الحداثي.