
إنتخابات 2026 بين ضرورة مراجعة مدونة الإنتخابات ورهان إستعادة الثقة، قراءة نقدية في مذكرات الأحزاب السياسية
قبل التفصيل في موضوعنا الحالي لابد من الإشارة إلى ملاحظة منهجية وهي إعتماد قراءة نقدية لما نشر رسميا و إعلاميا حتى الفاتح من شتنبر 2025 بخصوص مذكرات أحزاب التقدم والإشتراكية و العدالة والتنمية و التجمع الوطني للأحرار و الحركة الشعبية و الأصالة والمعاصرة، إضافة إلى متابعتنا لمواقف الاتحاد الاشتراكي في سياق هذه المشاورات وإلى ساعة نشر هذا المقال .
إن كل متتبع للحياة السياسية المغربية سيحزم لا محالة أنه لا تكتفي كثرة المذكرات لتخليق السياسة إذا ظل “جوهر اللعبة” كما تتحكم في وزارة الداخلية مالم تعمل على المراقبة الصارمة و الضرب بيد من حديد على أي تدخل من قبل منتسبيها من رجال السلطة في العملية الانتخابيات . فما نشر إلى حدود فاتح شتنبر 2025 يكشف عن سباق حزبي غير مسبوق لتسجيل المواقف السياسية أمام وزارة الداخلية، أكثر مما يكشف عن شجاعة لمراجعة الذات وإعادة النظر في قواعد المنافسة.
حزب التقدم والاشتراكية الذي قدم وثيقة مفصلة تطالب بإعادة هندسة الدوائر، وتوسيع تمثيلية النساء والشباب، وتمكين مغاربة الخارج من دوائر فعلية أو آليات تصويت من بلدان الإقامة، وهي مقترحات تحسب له من حيث التقنية وإتساقها مع منطق توسيع المشاركة، لكنها تظل رهينة بقدرة الدولة والأحزاب معا على تحييد شبكات النفوذ والمال الإنتخابي، وإلا تحولت الأرقام الجديدة إلى “ مجرد لوحة تمثيلية”. غير أن الجديد الإيجابي في هذه المذكرة، هو جرأة المطالبة بتمثيل مباشر للجالية وربط الإصلاح بجدولة سياسية واضحة، أن هذه الوثيقة نفسها تمررنا سريعا على سؤال الضمانات الإدارية يوم الإقتراع وما بعده.
العدالة والتنمية الخزب الذي قدم نفسه، بعد إيداع مذكرته كصوت عال لإعادة الإعتبار لـ“نظافة التنافس” وتركيزه على ضرورة تحييد أعوان السلطة، وتعزيز مساطر الطعون، وإشهار لوائح الناخبين في مكاتب التصويت. هذا التركيز يلامس صميم الإشكال، ويعبر عن وعي بأن أزمة الثقة لا تحل بالتقطيع الإنتخابي وحده غير أن هذا الحزب، وهو يحمل ذاكرة تدبير حكومي قريب، مدعو إلى مصارحة أكبر حول ما تعلمه من 2021 و كيف سيحمي مرشحيه من تناقض الخطاب والممارسة محليا. وتبقى قوة مذكرة “المصباح” في مفردات النزاهة، وضعفها المحتمل في تفصيل أدوات الرصد والإنفاذ المسبقين ليوم التصويت، لا في أعقابه فقط.
التجمع الوطني للأحرار ،والذي صادق على “مذكرة الانتخابات” بخطاب ضمانات مؤسساتية ومشاركة مكثفة،بللغة مطلوبة لإضفاء الطمأنينة، لكنها تظل عامة ما لم تترجم إلى التزاماتٍ قابلة للقياس ، من ضبط للإنفاق الحزبي، وشفافية في التمويل والتواصل السياسي، وآليات حزبية لردع “الماكينات المحلية” عندما تنزلق عن المسار السليم. حزب الحمامة والذي يقود الحكومة يملك فرصة إستثنائية لتجريب معايير صارمة على نفسه أولا وهو مطالب بها اليوم قبل أي موعد آخر، نشر حسابات حملته الإنتخابية، وقوائم المتبرعين معه، وبمدونة سلوك ملزمة لمرشحيه، من دون ذلك سيقرأ خطابه كتجميل لإدارة وضع قائم أكثر منه تعهد بالتغيير.
الحركة الشعبية التي تحركت بمنطق “تحسين الإطار القانوني” وإعتبار الجودة التشريعية مدخلا للنجاح ،غير أن التجربة أظهرت أن الصياغة الجيدة للقانون لا تمنع إعادة إنتاج الولاءات القبلية والمحلية إن غاب الانضباط الداخلي للأحزاب. ليبقى المطلوب من “السنبلة” هو إرفاق مطلب تعديل القوانين بخطة داخلية لضبط التزكيات، وتحييد “السوق الإنتخابي” في أقاليم النفوذ التقليدية، وإلا بقيت اللغة تحديثية والنتائج محافظة.
الأصالة والمعاصرة يعلن إكتمال مقترحاته ويشدد على التعبئة والثقة بدل التشكيك،في رسالة سياسية مفهومة لطمأنة الحقل الحزبي، لكنها لا تغني عن الإقرار بأن الثقة تبنى بإجراءات ملموسة من حدود استعمال السلطة الترابية، وشفافية تمويل الحملات، وتأهيل المتابعة الإنتخابية لتصحيح النتائج بسرعة.و من دون تفصيل دقيق في هذه الجزئيات، سيظل خطاب “الجرار” أقرب إلى بيان نوايا منه إلى برنامج إصلاح يمسك بعصب الداء.
الاتحاد الاشتراكي الحزب الذي يلاحظ أنه في مواكب مباشرة للمشاورات السياسية بخطاب عن “مدونة تلجم الفساد الإنتخابي ” وإستعادة المبادرة المعارضة ، وهو طرح ينسجم مع موقعه السياسي الحالي ويعيد وصل ما إنقطع مع تنسيقات يسارية سابقة، لكن الإمتحان الحقيقي هو الإنتقال من تعليقات عامة إلى بنود تفصيلية حول سقوف الإنفاق، وضوابط الحملات الرقمية، وتكافؤ الولوج للإعلام المحلي، هذه هي الحقول التي يعاد فيها تصنيع النتائج. فكل حديث عن “مدونة إنتخابية ” لا يفصل هذه الآليات يخاطر بأن يبقى وعظا وإرشادا أخلاقيا محتشما.
ختاما، تبقى الصورة العامة تظهر لنا قيام توازن بين مذكرات “تقنية” تفكر في التقطيع والكوطا وتمثيل الجالية، وأخرى “أخلاقية مؤسساتية” تفكر في حياد الإدارة ونزاهة التمويل ومساطر الطعون. فكلا المسارين ضروري ، لكن أي إصلاح يغفل عن ثلاث حلقات مترابطة سيبقى تجميليا ، حلقات تلاث هي تحييد أدوات النفوذ الترابي والمالي قبل يوم الاقتراع و تسقيف صارم وقابل للمراقبة لتمويل الحملات مع نشر علني فوري للمعطيات. وقضاء سريع يمكن من إعادة الفرز في حالة الطعن، وإعلان أحكام نافذة خلال آجال مضبوطة ومعقولة .
ذ/ الحسين بكار السباعي
محام وباحث في الهجرة وحقوق الإنسان.