
كلمة الوزير مهدي بنسعيد خلال لقاء دولي حول دور الجمارك في مكافحة الاتجار غير المشروع بالممتلكات الثقافية
السيد الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية ، السيد رئيس النيابة العامة، السيد الوزير، الدكتور محمد سالم المالك المدير العام لمنظمة الايسيسكو، السيدات والسادة السفراء، الأستاذة الخبراء الأفاضل.
نناقش اليوم موضوع مهم بتحديات تهدد صميم هويتنا الإنسانية ومستقبل أجيالنا القادمة.
عندما نتحدث عن الاتجار الغير مشروع للممتلكات الثقافية، فإننا نتحدث عن جريمة منظمة ضد موروثنا الثقافي.
إن المملكة المغربية بقيادة صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله، الذي يولي أهمية خاصة للتراث الثقافي، تَعْلَمُ القيمة الاستثنائية للممتلكات الثقافية. فهي ليست مجرد قطع أثرية أو أعمال فنية، بل هي شهادات حية على حضارات متعاقبة، وذاكرة مشتركة للإنسانية، وكنوز لا تقدر بثمن تجسد الإبداع البشري والتفاعل الثقافي عبر العصور.
للأسف، أصبحت هذه الكنوز هدفًا لشبكات إجرامية منظمة تستغل الصراعات والنزاعات، وتستفيد من الفراغات القانونية والتكنولوجية، لتهريبها من أوطانها الأصلية.
إن الاتجار غير المشروع بالممتلكات الثقافية ليس مجرد جريمة اقتصادية، بل هو عمل تخريبي يمس الذاكرة الجماعية للشعوب، ويقوي الإرهاب والجريمة المنظمة، و يعرقل جهود التنمية المستدامة.
حضرات السيدات والسادة،
لقد اتخذ المغرب، بقيادة جلالة الملك حفظه الله، خطوات استباقية وحاسمة لمواجهة هذه الظاهرة . لقد عملنا على تعزيز إطارنا القانوني والتشريعي بما يتماشى مع الاتفاقيات الدولية ذات الصلة، خاصة اتفاقية اليونسكو لعام 1970. كما قمنا بتكثيف جهودنا في مجال الرقمنة وجرد الممتلكات الثقافية، وهو ما يشكل خط الدفاع الأول ضد السرقة والتهريب.
اليوم دخل قانون جديد لحماية التراث الثقافي حيز التنفيذ، بمقتضيات جديدة وهامة للحد من جميع الممارسات السلبية التي تهدد التراث الثقافي
على المستوى العملياتي، نركز على تقوية قدرات أجهزتنا الأمنية والقضائية في مجال التحقيق والملاحقة القضائية لمرتكبي هذه الجرائم، بالتعاون الوثيق مع مؤسسات أمنية دولية والمنظمات الدولية الشريكة. وفي هذا الإطار سبق أن قمنا بعمليات استرجاع لممتلكات ثقافية بتعاون مع دول صديقة مثل الولايات المتحدة الأمريكية، وجمهورية الشيلي.
كما نؤمن بأهمية التحسيس والتوعية بالمخاطر المترتبة عن هذا الاتجار، ليس فقط بين المهنيين، بل في صفوف المجتمع المدني والجمهور الواسع.
لكن، لكي تكون جهودنا فعالة، لا بد أن نتحد. فالممتلكات الثقافية لا تعرف الحدود، والجرائم التي تستهدفها عابرة للدول والقارات. وهنا تكمن أهمية هذه الندوة الدولية. إنها فرصة لنا لتبادل الخبرات وأفضل الممارسات، ولتعزيز آليات التعاون الثنائي ومتعدد الأطراف، ولتطوير استراتيجيات مشتركة والخروج بحلول عملية وهنا يمكن القيام بعدد من الاجراءات منها :
تضييق الخناق على الأسواق السوداء وتشديد الرقابة على المزادات الفنية التي قد تكون غطاءً لغسل هذه الممتلكات.
إطلاق مبادرات لدعم الدول المتضررة، خاصة تلك التي تعاني من النزاعات، في جهودها لحماية تراثها واستعادة ما سُرق منها.
استغلال التكنولوجيا الحديثة، مثل الذكاء الاصطناعي و blockchain، في تتبع أصل الممتلكات الثقافية وتوثيقها.
تعزيز دور التعليم والثقافة في تعزيز قيم احترام التراث وأهمية المحافظة عليه لدى الأجيال الجديدة.
حضرات السيدات والسادة،
إن حماية التراث الثقافي مسؤولية جماعية. إنها استثمار في مستقبلنا، لأن الأمم التي تفقد ذاكرتها تفقد بوصلتها. لنعمل معا ضد هذا التهديد، ولنضمن أن تظل كنوزنا الثقافية في متناول الأجيال القادمة، شاهدة على عظمة ماضينا وملهمة لمستقبلنا.
شكرًا لكم.