ثقافة

صدى رجالات أسفي في التاريخ – الحلقة 84

إعداد: الدكتور منير البصكري الفيلالي / أسفي

    على الرغم من الصعوبات التي كانت تعترضه، فإنه ظل وفيا مخلصا لفنه، إلى أن تمكن في عام 1958 من إخراج أول شريط مغربي مطول بعنوان: “الإبن العاق”.
لاحظنا المعاناة التي كان يكابدها محمد عصفور من أجل السينما .. فقد كانت له إرادة قوية على المغامرة، وإلحاح أقوى على الصمود في وجه كل المعيقات التي يمكن أن تحول بينه وبين مشروعه السينمائي .. وكان وراء ذلك كله، موهبته وعشقه للسينما، وهو أمر كان يدفعه إلى تلبية احتياجاته الفنية والإبداعية. فكان بحق طاقة سينمائية متجددة ، وذلك لقدرته على التجاوب مع محيطه وما يتلاءم والجمهور المغربي في تلك المرحلة، وهي مرحلة مهمة عملت على صياغة وصقل أعمدة الفن السابع ببلادنا، عبر توفير الظروف اللازمة والقواعد الأساسية، للوقوف على منتوج سينمائي مغربي يحافظ على هويته  وموروثه الثقافي، بعد أن كان الجمهور المغربي في تلك المرحلة، لا يشاهد سوى أفلام أجنبية بعيدة كل البعد عن قيمه وثقافته ولغته وحلمه . وهي مرحلة يمكن نعتها بالمرحلة الثورية لما تحمله من سمات انقلابية على البنية الثقافية السينمائية التي كانت سائدة في ذلك الوقت .. وكان لزاما على المجتمع أن يدفع بشخص قادر على تحرير هذه البنية من الهيمنة الأجنبية، وتأسيس رؤى جديدة تتناسب والخطاب المغربي .. فكان لمحمد عصفور الفعل في تأسيس اللبنة الأولى للسينما المغربية. ويمكن أن نطلق على هذه المرحلة، مرحلة ثوابت التأسيس ، ذلك أنها بدأت مع بزوغ فجر الاستقلال ومحاولة مغربة الفن السابع مع رواده الأوائل، ومن أبرزهم محمد عصفور الذي وضع البدايات الأولى للسينما المغربية على حد ما ذكرنا سابقا ولو في لبوسها المتواضع. ومع ذلك كله، يمكن أن نعتبرها إبداعات فنية، بغض النظر عن موقعها وجودتها باعتبارها تحفظ هذه الذاكرة للأجيال الحالية واللاحقة. فأفلامه ـ على الأقل ـ كانت تجد رواجا شعبيا ورغبة نهمة في التعرف على ما كان يجري آنئذ في المجتمع المغربي. ومن ثمة، يستحق محمد عصفور بهذا العمل أن يبقى في الذاكرة وتروى سيرته وأعماله للأجيال على مر العصور والأزمان.
فالسينما جزء لا يتجزأ من الذاكرة، لهذا فإن محمد عصفور ظل يعتمد على نفسه في إنتاج أفلامه رغم قلة إمكانيات هذا الفنان. ومع ذلك، امتلك الرجل القدرة على ملء الفراغ الذي عرفته الساحة الفنية المغربية في مجال الفن السابع حتى ولو كان ما يعرضه من أعمال جد متواضع وبسيط، لكنه استطاع على الرغم من ذلك أن يجد لنفسه مكانا يطل من خلاله على هذا المجال، في الوقت الذي لم تكن تعرض فيه على الجمهور السينمائي المغربي إلا الأفلام الأجنبية التي كانت تستحوذ على الفن السينمائي ببلادنا .. لكن عشقه وشغفه بالسينما  دفعه إلى تجاوز كل المعيقات لينتج أفلاما أقل ما يمكن أن يقال عنها أنها أسست للفعل السينمائي بالمغرب. وبهذا العشق، عاش رائد السينما المغربية في بواكيرها الأولى، محمد عصفور قبل أن ينتج فيلما بعنوان “الإبن المعاق” الذي يعتبره بعض النقاد بداية لتشكل فعل سينمائي بتصور مغربي.
يتبع …

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

4 × واحد =

زر الذهاب إلى الأعلى
MCG24

مجانى
عرض