
صدى رجالات أسفي في التاريخ – الحلقة 98
إعداد: الدكتور منير البصكري الفيلالي / أسفي
الفنان الرصين السيد عبد القادر لغريسي
من مواليد مدينة أسفي عام 1926 بدرب قريبا من الزاوية القادرية بالمدينة العتيقة. ألحقه أبوه بالكتاب منذ طفولته لحفظ القرأن الكريم على يد شيوخ يشهد لهم بالورع والأخلاق النبيلة من أمثال الفقيه السي بوشتة والفقيه محمد الهسكوري وغيرهما ممن كانت تزدان بهم الكتاتيب القرآنية بمدينة أسفي .
بعد ذلك ، التحق السي عبد القادر لغريسي بمدرسة الشريف مولاي عبد السلام بن مولاي الحاج أحد علماء المدينة الكبار، أسسها عام 1930 لتكون حصنا منيعا ضد ما كان يروج له الاستعمار الفرنسي ، فكانت مدرسة وطنية بامتياز .. وهي أول مدرسة نموذجية بأسفي نظرا لطابعها العلمي ،اهتمت أساسا بنشر الثقافة والعلوم الإسلامية ، يلقن فيها الطلبة القرآن الكريم والتفسير والحديث والفقه والفرائض وأصول الفقه والتصوف واللغة والبيان والمنطق والعروض والشعر والإنشاء والتوقيت والجغرافيا ..
في هذه المدرسة ، نهل السي عبد القادر لغريسي من علوم فقهائها ، فكان مثقفا متميزا عند ما كنت أجلس أثناء في ورشته بتل الفخارين بأسفي ، كانت ترد ضمن أحاديثنا أسماء وشخصيات ، فكنت أجد فيه المثقف اللامع ، والإنسان الفاضل ، والعاقل الهادئ ، والرجل العصامي ، والصادق الغيور على وطنه ، يتفاعل مع قضايا المجتمع بإحساس قوي .. وهذا هو ما يجب أن يتعلمه هذا الجيل الصاعد من شبابنا ليتعلموا الكثير من مثل هؤلاء الرجال الأفذاذ .
اختار نهج والده المرحوم أحمد لغريسي الذي جمع إلى جانب تميزه في صناعة الخزف الفقه والإمامة والوعظ بالمسجد الفوقاني بالمدينة العتيقة .. فدفعه شغفه وحبه لهذه الصناعة منذ الطفولة إلى ارتياد محترف والده السي أحمد ، فتعلم على يده ، كما استفاد من طريقة عمل الحسن بوجمعة العملي ، فلم يكن مقلدا لمن سبقه ، بل على العكس من ذلك ، أجاد وأبدع في صناعة الخزف وكان من أمهر ” المعلمين ” ، شديد المحافظة على أصالة الخزف الأسفي حرصا منه على صيانة الموروث الثقافي والحضاري الأصيل بحاضرة المحيط . وهو النهج نفسه الذي سار عليه اليوم ولداه السي احمد وشقيقه السي عبد الجليل .
توفي السي عبد القادر رحمه الله سنة 1995 بمصحة بالدار البيضاء بعد مرض لم يمهله كثيرا .. لكن صداه الطيب لا يزال يتداول بين الناس في أسفي ، ذلك أنه ترك بينهم رصيدا من الحب والتقدير نظرا لما عرف عنه من ثقافة وعمل وكرم وسلوك فاضل .