سلايدرسياسة

الاطمئنان على أحوال الأهل والمعارف ودعمهم نفسيا أضعف الإيمان

حتى تصبح وسائل التواصل الاجتماعي مجدية في مكافحة كورونا

في خضم تفاعلنا مع أخبار فيروس كورونا، ورصد حالات الإصابات والوفيات وكذا الذين أسعفهم حظهم ومناعتهم في مقاومته، وجدنا مجتمعا موزعا إلى ثلاث فئات أساسية، تتفرع عنها بالضرورة، وحدات أصغر:
• أولى تحاول الحفاظ على نسق حياتها المعتاد، لأن الظروف فرضت عليها الاضطلاع  بواجبها اليومي في إعالة أسرة، معرضة لمخاطر الوباء، مسلمة بأن الأجل محدود، ولن يصيبها إلا ما كتب الله لها. مسلحة بإيمانها بالقدر خيره وشره، مصرة، وفق المتاح، على اتباع الإرشادات والنصائح المبثوثة عبر وسائل الإعلام الجدية المرتكزة على الوقاية والنظافة، درء لعدو مترصد على طول الساعة.
• ثانية، سقطت في شراك “فوبيا كورونا”، تتوهم أنها معززة لا محالة لائحة ضحاياه، تجدها مستهلكة أخبار القنوات والإذاعات والمواقع الإلكترونية بشره غريب، وغالبا ما يتسبب افتقادها الحرص على غربلة ما تتوصل به من أخبار، في مزيد خوف.
• ثالثة خارج الزمن، لا تكترث لما يدور حولها، تظل اليوم بأكمله موزعة الاهتمام بين التسكع في الدروب، ضدا على إجراءات الحجر الصحي، والإبحار في العالم الافتراضي أسيرة تكنولوجيته، بخاصية أنها تسبح في الاتجاه المعاكس، مستغلة إياها لنفث سموم أخبارها الكاذبة، واللهث خلف الإشاعة والمزاعم.
بكل تأكيد ، انقلب مشهد معيشنا اليومي رأسا على عقب، بسبب هزات زلزال كورونا القوية المتوالية، ومع ذلك ، يستمر الغافلون مخلصين لذات النهج، غير آبهين بهذا الخطر المحدق الذي يتهددهم، وبمعيتهم العشرات من ذويهم الذين قد يؤدون غاليا فاتورة استهتارهم.
من هذا المنطلق حبذا لو حولت الفئة الأخيرة الجائحة من نقمة إلى نعمة مجتمعية في اتجاه تقويم سلوكها المعوج، محولة وسائل التواصل هذه إلى أداة للارتقاء بتعاملها نحو الأفضل. هناك سبل كثيرة لتحقيق ذلك، في مقدمتها توظيف التقنية المذكورة للاستفسار عن أحوال أشخاص، غيبهم الفيروس الفتاك عن مشهدنا اليوم، بفعل الحجر الصحي، ويعلم الله هل سنلتقيهم مجددا، بعدما تنفرج الكربة وترفع الغمة…وأخذ علم بكيفية تدبرهم هذه الأيام الحساس ، خصوصا وأن فيهم أسرا عديدة انقطع مصدر رزق معيليها فجأة ؟
في انتظار أن يصحو ضمير الغافلين، ارتأيت أن أنوب عنهم في مد جسر التواصل مع أربع عينات للاطمئنان على حالهم زمن الوباء، لعلها تكون نموذجا لما يجب أن يسيروا عليها مستقبلا.
أولى هذه العينات الحاج عبد الرحمان، ذاك الصديق الذي ألفت طيفه وتحيته وابتسامته البريئة وسجوده وركوعه بالمسجد ، قبل أن يطال الأخير الإغلاق المؤقت جراء الجائحة …جاءني صوته ممزوجا ببحة تحيل على وجود دموع متحجرة بين مقلتيه : ” اللهم ارفع عنا البلاء والوباء يا أرحم الراحمين….كورونا حرمتني من مناجاة خالقي في فضائي المفضل. نعم، مدرك أن الله معنا أينما كنا، لكن ألفة المكان والخشوع الميسر به تجعلني مفتقدا وجدانيا لمحرابي اليومي الذي يذكرني بخشوع مختلف الأنبياء. ناهيك عن افتقادي لأحبة تعلق قلبي بهم في الله ولله، منهم من انقطعت أخباره، ومنهم من لبى داعي ربه، تاركا الدنيا الفانية.
عزائي في أولادي الذين يسعون إلى إرضائي وإحاطتي بما أحتاجه من رعاية، لعلمهم بهشاشة وضعي الصحي، والحمد لله أن الجائحة والحجر الصحي فتحا أعينهم على قيمة اللمة الأسرية. فاللهم ارفع مقتك وغضبك عنا، ولا تحرمني من جلستي اليومية في محراب اليقين ، أشنف سمعي بآيات الذكر الحكيم ، ودروس الوعاظ والمرشدين .”
لم تستغرق مكالمتي مع الحاج عبد الرحمان سوى خمس دقائق، أحسست بعدها أنها أثرت إيجابا في نفسية رجل كتوم لا يتحدث إلا لماما مستعيضا عنه بالذكر والتسبيح. لأغير الوجهة صوب فريد سائق حافلة النقل التابعة للمؤسسة التعليمية التي يدرس بها ابني. الشاب يضرب به المثل في الانضباط لقوانين السير والجولان، واحترام مواعيد الانطلاقة والوصول، وعيا منه بأنه مؤتمن على سلامة التلاميذ الذين يتكفل بنقلهم في الرواح كما الغدو. وجدته متأثرا بعض الشيء لافتقاده أجواء عالمه المتحرك الصغير، والشغب الطفولي التي يعيشه رفقة “زبناء” مركبته : ” كورونا قلب حياتنا رأسا على عقب . وآمل ألا تستمر المحنة طويلا. اشتقت حركية التلاميذ وصخبهم. وفي انتظار استئناف نشاطنا المعتاد، استعضت عن المشهد المغيب بملاعبة ابني الصغير، واكتشاف كيف يتفاعل مع أجواء البيت. صحيح أن الأزمة أيقظت بدواخلنا روح المواطنة، لكنها بالمقابل عرت جشع البعض، الذي استغلها لرفع الأسعار. لحسن الحظ أن الجهات المكلفة لهم بالمرصاد.
عكس بعض المؤسسات التي لم يعر مسؤولوها اهتماما للجانب الاجتماعي لمستخدميها، الأمر غير مطروح عندنا، فالقيمون على المجموعة التي أشتغل بها  مخلصون دواما لمبدئهم التضامني انسجاما وقناعتهم بأن المنتسبين إليها يشكلون أسرة واحدة .
نتدبر أمورنا وفق المتاح، معتمدين على بعض المدخرات، في انتظار أن تنقشع هذه الغمة، وألا تكلف المغرب الكثير من أبنائه. وما دمنا في المرحلة الثانية للوباء، حيث ارتفعت حالات الإصابات بشكل لافت، أدعو كل المواطنين إلى التعامل بجدية مع خطورتها، وأن يطبقوا بالحرف تعليمات الجهات المختصة، التي تستحق منا كامل التنويه نظير تضحياتها الكبيرة.”
 بالمنزل افتقدنا جميعا لكنة أمي طامو وحيويتها الاستثنائية التي لا تعكس حقيقة سنها، تلك السيدة العصامية التي تزورنا مرة في الأسبوع، للمساعدة في ترتيب أركانه.  هي مضطرة للخروج إلى العمل، معتمدة على عريق جبينها في مساعدة زوجها على أعباء المعيش اليومي وتوفير ما يحتاجه أولادها .
كورونا وما تلاها من إجراءات لضبط التحركات تنفيذا للحجر الصحي، أبقتها ببيتها، حادة من فرص إغناء رصيد المصروف اليومي. وطبيعي أن يكون الهاتف الوسيلة الوحيدة للاطمئنان عليها.
صوت أمي طامو جاء كالمعتاد مفعما بالحيوية. هي كذلك، ممتلكة لروح نكتة استثنائية  مثيرة : ” كورونا قهرتنا، ومع ذلك نحن لها بالمرصاد…شدة وستزول بحول الله. نتدبر أمورنا اليومية بالصبر والكفاف. المدخول تأثر كثيرا لأنني وجدت نفسي صحبة زوجي البائع المتجول عاطلين فجأة. لحسن الحظ، أن هناك رصيدا احتياطيا نتدبر به حالنا، رغم تواضعه. وأحمد الله أن بعض” الوجوه الطيبة”، جازاها الله عنا خيرا، تتذكرنا بين الفينة والأخرى. وها نحن ننتظر الشروع في صرف الدعم الذي خصصته الدولة للأسر المعوزة المتوفرة على “بطاقة الراميد” ، للحصول على ما أمر به سيدنا الله ينصرو.
سلامي لكل أفراد الأسرة، وشكرا على الاتصال”
“عزيز” الحلاق من بين الأشخاص الذين لم نلمس قيمة الخدمات التي يسدونها إلا في هذه الأزمة. هو شاب درس أصول المهنة في مدرسة خاصة، والشهادات المزينة لحائط محل اشتغاله دليل على أنه متبحر في مجال اختصاصه، رغم أن عمره لا يتجاوز الأربعين سنة. سعد كثيرا لاتصالي به قصد الاطمئنان على أحواله.
عادة ما يكون الحلاق كثير السؤال والكلام أيضا، وتردد عينات كثيرة من الزبائن عليه يحوله إلى وكالة أنباء تجمع وتبث مختلف الأخبار. مهووس بحب ريال مدريد حد الجنون، وملاسناته مع مساعده جواد المحب للغريم التقليدي برشلونة ، تجعل من المحل غير ما مرة ملعبا للمراوغات المضحكة، والتسديدات المؤثرة، مما كان يثير ضحكنا نحن الزبناء. بمجرد ما استفسرت عن أحواله، جاء رده غنيا كالعادة لقفشاته المضحكة : ” الحمد لله أن وباء كورونا جعلكم تقفون على دورنا المؤثر في الحياة…ما أعتقد أن زوجاتكم سينجحن في ملء فراغ مهنتنا هذه . ممكن أن تتدبر أمر رأسك ولحيتك،  شريطة أن تدفع ثلاثة أضعاف التسعيرة، لأن شعرك الكثيف يفرض ذلك..إنه زمن كورونا يا صديقي العزيز.
بكل صراحة أأسف للأرواح التي أزهقها هذا العدو الخفي ، وآمل أن نتجاوز المحنة بأقل الخسائر. لحسن الحظ أن الدولة سارعت إلى تفعيل إجراء تحصين البلاد عبر إغلاق الحدود، والكرة الآن في ملعب المواطنين المدعوين للالتزام بإجراءات الحجر الصحي ، وعدم الاستهانة بهذا الخطر المحدق الذي قهر دولا صنفت – حتى البارحة – في خانة العظمى.
أمورنا المادية تأثرت بعض الشيء بالنظر إلى غياب المدخول بسبب الإغلاق ، وعدم تساهل ممتلك “المحل” الذي لن يتساهل بخصوص أداء السومة الكرائية في وقته…لكننا نجابه الأزمة بالدعاء واللجوء لبعض المدخرات، منتظرين نهاية الشهر لصرف منحة 2000 درهم التي خصصها الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي لمنخرطيه المتوقفين عن العمل . وهي فرصة لأحث من يتردد في الانخراط أن يسارع إلى ذلك، لأنها السبيل المثلى لمجابهة المفاجآت.”
هي مسألة ربع ساعة من الزمن، تطلبها استفساري صحبة زوجتي عن حال أربعة من أناس يشاركوننا فضاء هذا الوطن…وأكيد أن الخطوة ستكون مجدية إذا غلّب أسرى التكنولوجية الحديثة حسهم الجماعي، فبادروا سائلين عن معارفهم، مسارعين إلى مساعدتهم ، إن كان بإمكانهم ذلك..هي خطوة مفيدة زاخرة بالدلالات القيمة، تشعرهم بالاطمئنان النفسي ، مفعلة منطوق الحديث النبوي الشريف: ” مَثَلُ المؤمنين في تَوَادِّهم وتراحُمهم وتعاطُفهم: مثلُ الجسد، إِذا اشتكى منه عضو: تَدَاعَى له سائرُ الجسد بالسَّهَرِ والحُمِّى .”، فذلك أضعف الإيمان.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

1 × أربعة =

زر الذهاب إلى الأعلى
MCG24

مجانى
عرض