تأملاتسلايدر

التأسيس النبوي للحجر الصحي ضمان للغداء الروحي والصحي

لحمد الله الذي لا ياتي بالحسنات إلا هو.
ولا يكشف الكربات ويجيب الدعوات سواه.
فهو أحق من ذكر وأجود من سئل .
أرحم بعبده من الوالدة بولدها. وأشد فرحا بتوبة التائب من الفاقد لراحلته التي عليها طعامه وشرابه. فهو الملك لا شريك له والفرد لا ند له كل شيء هالك إلا وجهه. فالقلوب له مفضية والسر عنده علانية. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن سيد الأولين والآخرين محمدا صلى الله عليه وسلم. عبده ورسوله. صاحب الدرجات العلى في الملإ الاعلى إلى يوم الدين.
اللهم صل وسلم صلاة تهب لنا بها أكمل المراد وفوق المراد في دار الدنيا ودار الميعاد وعلى آله وصحبه عدد ما علمت وزنة ما علمت وملء ما علمت وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين.
أما بعد:
فها أنا أناشدكم مرة أخرى إخواني وأخواتي أن تقفوا من وراء أبناءكم وأزواجكم وإخوانكم وآباءكم وأن تشاركوهم في تغطية هذا الوباء بالصبر والثبات وتربية الأبناء على موائد القرءان. ومواضبة سرد ما تيسر من هدي وحديث سيد الأنام. لمعرفة شمائل وأخلاق صاحب هذا الخلق العظيم (صلى الله عليه وسلم) ونحن على ذالك من الشاهدين.
فو الذي نفسي بيده لله ارحم منا بهم فلا تبخلو على أولادكم بالرعاية والتربية والإحسان قولا وعملا. فبذلك يكمل فرحنا نحن وآبائنا وإخواننا وازواجنا وابنائنا.
وليس لنا خير في هذه الدنيا إلا ديننا الذي هو عصمة أمرنا .وصلاح فلذات أكبادنا الذين هم زينة حياتنا.
وقد أوضحت الشريعة الإسلامية في العديد من النصوص تلك المسؤولية والحقوق وجعلتها ضرورة لاستمرار المجتمع.
فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أَلَا كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالْأَمِيرُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ، وَهُوَ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ، وَهُوَ مَسْؤولٌ عَنْهُمْ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ بَعْلِهَا وَوَلَدِهِ، وَهِيَ مَسْؤولَةٌ عَنْهُمْ، وَالْعَبْدُ رَاعٍ عَلَى مَالِ سَيِّدِهِ وَهُوَ مَسْؤولٌ عَنْهُ، أَلَا فَكُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ) [متفق عليه] أيها الإخوة والأخوات : تعالوا معنا لنتحدث في شخصية نبينا الكريم صاحب الذكر المحمود والحوض المولود والشفاء العظمى وما في جوانب شخصيته من عظمة وفخار، لنأخذ المواعظ والحكم. التي يدبر بها الامور المشكلة والنوازل الطارئة. من الأمراض والوباء ومن سيء الأقسام. إنطلاقا من هاذا العنوان الهام:

التأسيس النبوي للحجر الصحي.
ضمان للغداء الروحي والصحي.

ايها الإخوة والأخوات، إن الوباء سُنّة الله في الكون منذ خلق الخلق، وأسرى دعائم الحياة فيه، يبديه متى شاء، ويعيده كيف يشاء، وهو المبدي المعيد.. ويدنيه بإرادته، متى وأنّى اقتضت حكمته، سبحانه الفعّال لما يريد.
وما يعيشه العالم اليوم من استشراء وباء الكورونا المستجدّ، يطيب لي أن أبدي من فقه الصّحابة في التعامل مع الوباء،
فمن فقهم نستمد، ومن أنوارهم نستضيء، فهم أمنة أمّة الإسلام، كما النجوم أمنة السماء، كما أخبر المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم فيما رواه مسلم عن أبي بُرْدة عن أبيه، قال: (صلينا المغرب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قلنا: لو جلسنا حتى نصلي معه العشاء، قال: فجلسنا، فخرج علينا، فقال: ما زلتم ها هنا؟ قلنا: يا رسول الله، صلينا معك المغرب، ثم قلنا نجلس حتى نصلي معك العشاء، قال: أحسنتم أو أصبتم. قال: فرفع رأسه إلى السماء، وكان كثيرا مما يرفع رأسه إلى السماء، فقال: النُّجوم أَمَنَةٌ للسماء، فإذا ذهبت النُّجوم أتى السّماء ما تُوعد، وأنا أَمَنَةٌ لأصحابي، فإذا ذهبتُ أتى أصحابي ما يوعدون، وأصحابي أَمَنَةٌ لأمتي فإذا ذهب أصحابي أتى أمّتي مايعدون)
وقد أحببت أن اقتفي في هذا الموضوع بعض التعاليم النّبوية الشريفة بعون الله وفضله.
والله الموفق وبه أستعين.
فالصّحابة الكرام كانوا للرسول صلى الله عليه وآله وسلم أتباعا في الأقوال والأفعال، في حياته وبعد مماته، ومن أجلى المشاهد على ذلك ما جرى يوم وقع الطاعون بأرض الشّام، روى البخاري ومسلم في صحيحيهما عن ابن عباس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما أن عمر بن الخطاب رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ خرج إلى الشام حتى إذا كان بِسَرْغٍ، لقيه أمراء الأجناد أبو عُبَيْدة بن الجَرّاح وأصحابه، فأخبروه أنّ الوباء قد وقع بالشّام، قال ابن عباس فقال لي عمر: ادع لي المهاجرين الأولين، فدعوتهم، فاستشارهم وأخبرهم أن الوباء قد وقع بالشام فاختلفوا، فقال: بعضهم خرجت لأمر ولا نرى أن ترجع عنه، وقال بعضهم: معك بقية الناس وأصحاب رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم ولا نرى أن تقدمهم على هذا الوباء.
فقال: ارتفعوا عني، ثم قال: ادع لي الأنصار، فدعوتهم، فاستشارهم فسلكوا سبيل المهاجرين واختلفوا كاختلافهم، فقال: ارتفعوا عني، ثم قال: ادع لي من كان هاهنا من مشيخة قريش من مهاجرة الفتح، فدعوتهم، فلم يختلف عليه منهم رجلان؛ فقالوا: نرى أن ترجع بالناس ولا تقدمهم على هذا الوباء، فنادى عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ في الناس: إني مُصْبِحٌ على ظَهْرٍ فأصْبِحُوا عليه، فقال أبو عُبيدة بن الجراح رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أفِراراً من قدر اللَّه! فقال عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: لو غيرك قالها يا أبا عبيدة! وكان عمر يكره خلافه؛ نعم نفرّ من قدر اللَّه إلى قدر اللَّه؛ أرأيت لو كان لك إبل فهبطت وادياً له عدوتان إحداهما: خصبة، والأخرى: جدبة، أليس إنْ رعيتَ الخصبة رعيتها بقدر اللَّه، وإنْ رعيتَ الجدبة رعيتها بقدر اللَّه قال: فجاء عبد الرحمن بن عوف رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وكان متغيباً في بعض حاجته، فقال: إنّ عندي من هذا علماً: سمعت رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (إذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فراراً منه) فحمد اللَّه تعالى عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وانصرف.
هذا الحديث فيه من المعاني العظيمة الكثير. فهي كما يلي:

أولا: حكمة الأمير في تدبير الأمور المشكلة والنوازل الطارئة. وتتمثل في فزع عمر بن الخطّاب إلى الشورى، وسماع الآراء، وتقليب وجهات نظر كافة الأصحاب، من مهاجرين وأنصار.. حتّى اتّضح له الرأي السّديد، وهكذا كان الحبيب المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم ومنه تعلّموا. ودونك ما فعل مع أصحابه بمشاورتهم في كل من بدر والخندق..

ثانيا: ترجيح الرأي الأسلم حفاظا على الأنفس، دون الخوض بهم فيما يُودي بهلاكهم، تطبيقا لقوله تعالى: (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة).
صدق الله العظيم.

ثالثا:حسن المجادلة: وهو منطق الذكر الحكيم، لقوله تعالى: (وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ ۖ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) [النحل: 125]. وهذا نستشّفه من المجادلة التي تمّت بين عمر بن الخطاب وأبو عبيدة بن الجرّاح رضي الله عنهما، وكيف خالفه الخليفة عمر بحزم وعزم رغم محبّته له وتقديره لمكانته بقوله: (لو غيرك قالها). إذ لم يمنعه ذلك من تبيان خَطَئِه، وتصحيح الفهم لديه.

رابعا: تقرير قاعدة ذهبية في القضاء والقدر. وهي تَصْدُرُ عمّا تعلّمه من الحبيب المصطفى صلى الله عليه وآله وسلّم، فيما رواه أبو داود عن أُبَي بن كعب، قال: (لو أن الله عذب أهل سماواته وأهل أرضه لعذبهم وهو غير ظالم لهم، ولو رحمهم كانت رحمته خيرا لهم من أعمالهم، ولو أنفقت مثل أُحُدٍ ذهبا في سبيل الله ما قبله الله منك حتى تؤمن بالقدر، وتعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك ،وأن ما أخطاك لم يكن ليصيبك، ولو مِتَّ على غير هذا لدخلت النار). لكنّ عمر أراد تقريب هذا الأصل في مثال حيّ صوّره في رعي الإبل بين الخِصبة والجَدْبَة، وأنّ الرعي في كليهما سيكون بقدر الله. إذ بالأمثال تتّضح وتنجلي أسرار الأقوال.

خامسا: إلهام عمر رضي الله عنه: فالخلاصة التي خلص إليها بعد استشارة، كانت من باب التحديث؛ لأنّ الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قال فيما رواه البخاري عن أبي هريرة: (لقد كان فيما كان قبلكم من الأمم ناس محدّثون، فإن يك في أمتي أحد فإنه عمر). وهذا شاهد حيّ إذ توافق رأي عمر مع الوحي الذي هو قول النّبي صلى الله عليه وآله وسلم فيما رواه عبدالرحمن بن عوف.
فهذه معانٍ نافعة لامعة تكشف لنا كيف تعامل الصّحابة الكرام مع الوباء في ضوء التعاليم النبوية. ويتجلى هذا في التأسيس النبوي للحجر الصّحّي:
كما في الحديث الذي رواه عبدالرحمن بن عوف، بالتزام أماكن الإقامة، وعدم الخروج منها، سواء كانت موبوءة أو سالمة .
وختاما نرفع أكف الضراعة والإبتهال إلى الله جل جلاله أن يرفع البلاء عن البلاد وعن الأمة قاطبة.
إنه سميع مجيب،
يقول– تعالى- في كتابه الحكيم:« وَ إِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ».
«اللهم إنا نعوذ بك من جهد البلاء، ودرك الشقاء، وسوء القضاء، اللهم إنا نعوذ بك من زوال نعمتك، وتحول عافيتك، وفجاءة نقمتك، ومن جميع سخطك».
« اللهم لا قابضَ لما بسطتَ، ولا مُقَرِّبَ لما باعدتَ، ولا مُباعِدَ لما قرَّبتَ، ولا مُعطِيَ لما منعْتَ، ولا مانعَ لما أَعطيتَ اللهم ابسُطْ علينا من بركاتِك ورحمتِك وفضلِك ورزقِك، اللهم إني أسألُك النَّعيمَ المقيمَ الذي لا يحُولُ ولا يزولُ اللهم إني أسألُك النَّعيمَ يومَ العَيْلَةِ، والأمنَ يومَ الحربِ، اللهم عائذًا بك من سوءِ ما أُعطِينا، وشرِّ ما منَعْت منا اللهم حبِّبْ إلينا الإيمانَ وزَيِّنْه في قلوبِنا، اللهم يا من لطفه بخلقه شامل، وخيره لعبده واصل، لا تخرجنا وذريتنا وأهلنا وأحبابنا من دائرة الألطاف، وآمنا من كل ما نخاف، وكن لنا بلطفك الخفى
«اللهم يا ذا الرحمة الواسعة، يا مطلعا على السرائر والضمائر والهواجس والخواطر، لا يعزب عنك شيء، أسألك فيضة من فيضان فضلك، وقبضة من نور سلطانك، وأنسًا وفرجًا من بحر كرمك، بيدك الخير وانت على كل شيء قدير.
واجعل بلدنا هذا بلدا آمنا مطمئنا رخاءا سخاءا هو وسائر بلاد المسلمين.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.
والحمد لله رب العالمين

عبد الرحمان بن أحمد سورسي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

8 + 6 =

زر الذهاب إلى الأعلى
MCG24

مجانى
عرض