
صدى رجالات أسفي في التاريخ – الحلقة 91
إعداد: الدكتور منير البصكري الفيلالي / أسفي
لقد تمكن الأستاذ عبد القادر الحكيم بشخصيته القوية، وذكائه وثقافته الموسيقية الشاملة من أن يصبح فنانا لامعا ومشرقا سواء في أسفي أو خارجها. ولهذا، فالكتابة عن هذا الرجل من رجالات أسفي، تسلط على تاريخ الموسيقى بمدينة أسفي ضوءا ساطعا، إليه يعود الفضل في تأسيس الجوق العصري لمدينة أسفي، مساهمة منه في إثراء الأغنية المغربية. فقد لحن عددا من الأغاني التي لم يكتب لها الذيوع والانتشار لكونها لم تدون ولم تسجل وتوثق .. إلى جانب إلمامه بنوبات طرب الآلة الإحدى عشر حفظا وأداء .. وأذكر أنه خلال ليالي شهر رمضان، كنت أستمتع وأفراد عائلتي بالاستماع إلى بعض شذرات موسيقى الآلة، حيث كان يجتمع أفراد الجوق في بيتنا للتدرب على بعض النوبات الأندلسية، مما حبب إلي أكثر هذا الفن الأصيل.
أمام تزايد الاهتمام بالفنون الموسيقية في مدينة أسفي، ظهرت عدة أسماء، ذكرنا البعض منهم سابقا، أغنت بمجهودها هذا المجال وفتحت آفاقا جديدة أمام الأجيال الصاعدة مما مكن من استمرارية العناية بالفن الموسيقي في أسفي، حيث سيعمل الفنان عبد القادر الحكيم على تأسيس جوق جديد يجمع بين طرب الآلة والأغاني الشرقية والعصرية.
والحقيقة أن السي عبد القادر الحكيم، لم ينل حظه من التعريف به وبفنه الموسيقي خاصة من وسائل الإعلام نظرا لخبرته الموسيقية الكبيرة واطلاعه الواسع على المقامات الشرقية والأندلسية. ويكفيه فخرا أن أتيحت له فرصة زيارة مصر الشقيقة سنة 1987 لينعم باستقبال كبير وحفاوة بالغة خصه بهما في القاهرة، عميد الأغنية العربية الأستاذ محمد عبد الوهاب.
أظن أن السي عبد القادر الحكيم ـ رحمه الله ـ لو عاش في الدار البيضاء أو الرباط أو فاس، لكان له شأن كبير في مجال الفن الموسيقي، ولكان له مستوى يليق ومكانته الفنية. لكن بقاءه في أسفي لم يجده نفعا كغيره من الطاقات الهائلة التي تحبل بهم مدينة أسفي وبقوا تحت الظل، لا يعرفهم أحد، ولا يكلف أحد نفسه للتعريف بهم، فظلوا مغمورين، وهذا ديدن الكثير من رجالات أسفي ممن برزوا في مجالات متعددة، لكن صداهم بقي محصورا بين أسوار المدينة إلا من أسعفته الظروف، فوجد نفسه يعطي ويبدع خارج مدينته .. ولو بقي فيها، لما كان له أي حضور. وهذا ما حاول السي عبد القادر أن يقوم به حين أكمل بقية عمره بمدينة الدارالبيضاء، لكن ـ وللأسف ـ وجد أن قطار العمر قد مضى ولم يعد الأمر كما كان أثناء فترة العطاء والإبداع. فرحم الله أستاذنا السي عبد القادر الحكيم الذي وافته المنية سنة 1996 بالدار البيضاء لينقل جثمانه إلى أسفي ويدفن بمقبرة “بوديس”.