
رمضان في إيطاليا.. احتفال بهيج بشهر الصيام
ملابس وأطباق تقليدية، أجواء روحانية، دفء عائلي وتضامن … هكذا يتم إحياء شهر رمضان الأبرك في أبهى حلة بإيطاليا. فالجالية المغربية، المتشبثة أيما تشبث بتقاليدها العريقة، لا تذخر جهدا في إيجاد الأجواء الفريدة، الساحرة والمميزة لهذا الشهر الفضيل الزاخر بقيم الصفاء وأيضا بالنكهات الجذابة.
إنها الساعة الرابعة عصرا، الرجال والنساء يتأبطون قفة التسوق ويشرعون في التجول بين رفوف البضائع بسوق “بورتا بلاسو” بمدينة تورينو، الذي ينتشر في أجوائه عبق البخور وروائح العسل، بذور السمسم، الفول السوداني واللوز المقلي، التي تمتزج بروائح الخبز والفطائر المغربية.
وفي اتجاه “كورسو جويليو سيزاري”، تزداد النكهات كثافة ويصبح من الصعب شق الطريق وسط كميات المأكولات الشهية المغربية المخصصة لتأثيث موائد الإفطار، بما في ذلك حلوى “الشباكية” الشهيرة إلى جانب مواد أخرى يكثر عليها الإقبال خلال الشهر الفضيل. لوحات كتبت باللغة العربية، مجسمات تشخيصية تعرض أزياء تقليدية وأروقة للتزيين بالحناء، ما يحيي أجواء الأسواق المغربية خلال شهر الصيام.
وفي تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، تقول إحسان، وهي مغربية تعيش في إيطاليا منذ 16 عاما، أثناء قيامها بالتسوق رفقة ابنتها البالغة من العمر 11 عاما، واللتان كانتا ترتديان جلبابين نسائيين مطرزين “هنا، أشعر وكأنني في بلدي. الجالية المغربية، التي استقر معظمها في إيطاليا منذ عقود، حاضرة بقوة في تورينو”.
وتقول إحسان بابتسامة عريضة ترتسم على محياها، بينما كانت تظهر من سلتها قطع من القرع الأحمر، الجزر والكوسة، “اشتريت الخضار اللازمة لتحضير الكسكس، ما يعد أمرا ضروريا للاحتفال بمنتصف شهر رمضان”.
وبالنسبة لهذه الأم لثلاثة أطفال التي تنحدر من مدينة الدار البيضاء، من المهم أن تعيش وتمرر جميع التقاليد إلى أبنائها، حتى يظلوا متشبثين بأصولهم إلى جانب التأقلم مع الثقافة الإيطالية التي تتسم بالتفهم والتسامح.
وأضافت أن “الإيطاليين ملمون بتقاليدنا وطقوسنا الدينية، ويظهرون حسا كبيرا من التعاطف”، مشيرة إلى أن “معظم مراكز التكوين المسائية توزع التمور والمياه على طلابها في ساعة الإفطار”.
وإلى جانب الحلويات، تقدم بازارات “بورتا بلاسو”، أكبر سوق في الهواء الطلق بأوروبا، توابل المطبخ المغربي، التي تثير الشهية بأشكالها، تركيبتها، ألوانها ومختلف نكهاتها. كما تعرض جميع المنتجات التقليدية اللازمة لتجربة أصيلة في الحمام المغربي، الموجود بجانب السوق، ما يمكن من الاسترخاء والاستعداد للاحتفالات المرتبطة بالشهر الأبرك.
وفي المناطق المحيطة بالسوق، الواقعة في وسط المدينة بساحة “بياتزا ريبوبليكا”، تكتسي الأجواء رونقا بهيا حتى بعد وجبة الإفطار. حيث تمتلئ مساجد الحي بالمصلين لأداء صلاة التراويح.
ويقول محمد، الإمام المغربي بمسجد في تورينو “لقد تمكنت الجالية المسلمة أخيرا من الالتقاء بعد عامين من الاضطراب بسبب الكوفيد”، مؤكدا في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، أن التضامن، التعاون والإيثار تشكل المشاعر السائدة بين أفراد الجالية المسلمة.
وبحسبه، لقد أصبح الأمر بمثابة عادة حميدة بين الجالية المغربية التي تكرس نفسها للأعمال الخيرية الموجهة للمعوزين وذوي الحاجة.
وقال “بفضل تبرعاتهم، تنظم المساجد موائد إفطار جماعية يومية، تكون فيها قيم المشاطرة الكلمات الرئيسية في شهر الانبعاث الروحي”.
وبنفس الروح، تضاعف الجمعيات المغربية في إيطاليا مبادراتها خلال الشهر الكريم. وإلى جانب الشق الإنساني، ينظم المجتمع المدني المغربي أنشطة ثقافية ورياضية تتراوح بين الأمسيات الأدبية إلى دوريات كرة القدم، التي تعد طقسا مغربيا حقيقيا في رمضان.
ومن تورينو إلى سردينيا، مرورا بروما، يظل رمضان محطة ثقافية ودينية قوية، يتناسب جوها وفقا لحجم المجتمع المسلم في كل منطقة. والقواسم المشتركة هي الصفاء الروحي، نكهات المطبخ، الغنى الحسي والعيش المشترك. هكذا، يستفيد مغاربة إيطاليا استفادة كاملة من هذا الشهر الكريم، ما يعد فرصة للتزود بطاقة جديدة وإحياء ذكريات وطنهم الأم على الرغم من قيود الحياة الغربية